يقول ولعلها ظنت أنها لما لم تكن مستوطنةً معه في بلده لم تكن من صلب جده فلهذا اجترأت عليها ومعنى قوله وإن جد المرء أوطانه أي ظنت أن أقاربه الذين يساكنونه في الوطن هم عشائره وإن البعيد عنه وطنا ولا يكون من عشيرته ويروي وإن حد المرء بالحاء على معنى أن حريمه وطنه فمن لم يكن مستوطنا معه لم يكن في حريمه وعلى هذا الضمير في صلبه عائد على المرء
أخاف أن تفطن أعداؤه ... فيجفلوا خوفاً إلى قربهِ
يقول أخاف أن يعلم اعداؤه هذا وهو أن الأيام لا ترزأ من تحرم بجواره وقربه فيسرعوا إلى حضرته خوفا من الأيام وطلبا للسلامة بحصولهم في ذمته واشتمالهم بعزه
لا بد للإنسان من ضجعةٍ ... لا تقلب المضجع عن جنبهِ
يقول لا بد للإنسان من اضطجاع في القبر لا يقلبه ذلك الاضطجاع عن جنبه يعني يبقى كما اضطجع ولو قال لن بدل لا كان احسن لان لن تدل على التأبيد
ينسى بها ما كان من عجبه ... وما أذاق الموتُ من كربهِ
يقول يترك بتلك الضجعة اعجابه بنفسه وبما إذاقه الموت من كربه يعني أنه إذا ذاق كرب الموت وأضجع في القبر نسي العجب والإعجاب وما معطوف على الضمير في بها ويجوز أن يكون عطفا على ما كان فيك في محل النصب وذلك إن من مات واضجع في قبره نسي ما مر به من شدائد الموت وكربه
نحن بنو الموتى فما بالنا ... نعافُ ما لا بد من شربهِ
يقول نحن أبناء للأموات ولا بد لنا منه أي فكما مات من تقدمنا من آبائنا فكذلك نحن على أثرهم وهذا من قول أبي النواس، ألا يا أبن الذين فنوا وبادوا، أما والله ما بادوا لتبقى، وأصله قول متمم بن نويرة، فعددت آبائي إلى عرق الثرى، فدعوتهم فعلمت أن لم يسمعوا، ولقد علمت ولا محالة أنني، للحادثات فهل تراني أجزع، وهذا كما روى أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عمرو بن عبيدة يعزيه عن أبيه أما بعد فإنا أناس من أهل الآخرة أسكنا في الدنيا أمواتا آباء وأبناء أموات فالعجب لميت يكتب يعزيه عن ميت والسلام
[تبخل أيدينا بأرواحنا ... على زمان هن من كسبه]
يقول تمسكنا بأرواحنا بخلا بها على الزمان والأرواح مما كسبه الزمان فقد فسر هذا فيما بعد فقال
[فهذه الأرواح من جوه ... وهذه الأجساد من تربه]
إنما قال هذا لأن الإنسان مركب من جوهر لطيف وهو الروح وجوهر كثيف وهو البدن فجعل اللطيف من الهواء والكثيف من التراب
[لو فكر العاشق في منتهى ... حسن الذي يسبيه لم يسبه]
يقول لو تفكر العاشق لعلم أن منتهى حسن المعشوق إلى الزوال فلم يعشقه ولم يملك المعشوق قلبه
[لم ير قرن الشمس في شرقه ... فكشت الأنفس في غربه]
هذا مثل ومعناه أنه لابد لكل حادث من الفناء كالشمس من رآها طالعة عرفها غاربة كذلك الحوادث منتهاها إلى الزوال لأن الحدوث سبب الهلاك
[يموت راعي الضأن في جهله ... موتة جالينوس في طبه]
يعني أن الموت حتم على كل أحد جاهلا كان أو عالما فالراعي الجاهل يموت كما يموت الطبيب الحاذق
[وربما زاد على عمره ... وزاد في الأمن على سربه]
وربما يزيد عمر راعي الضأن على عمر جالينوس الطبيب وكان آمن سربا منه أي نفسا وولدا ومن روى سربه بفتح السين فالسرب المال الراعي ولا معنى له ههنا
[وغاية المفرط في سلمه ... كغاية المفرط في حربه]
أي الذي افرط في السلم والمودة كالذي افرط في الحرب والمعاداة لأن كلا منهما إلى نفاد وفناء
[فلا قضى حاجته طالب ... فؤاده يخفق من رعبه]
أي إذا الهلاك متيقنا فلم يخاف الإنسان من الموت ويجزع رعبا منه ولهذا دعا عليه فقال لا أدرك حاجته من خاف من الموت ويجوز أن يكون الهاء في رعبه للفؤاد
[أستغفر الله لشخص مضى ... كان نداه منتهى ذنبه]
يقول كان غاية ذنبه إسرافه في العطاء والإسراف اقتراف وورد النص في النهي عن الإسراف
[وكان من جدد إحسانه ... كأنه أسرف في سبه]
يقول من جدد ذكر إحسانه كان عنده كالمسرف في سبه لأنه كان يكره أن تحصى فواضله
[يريد من حب العلى عيشه ... ولا يريد العيش من حبه]
أي إنما كان يهوى البقاء لكسب العلى لا لحب الحيوة
يحسبه دافنه وحده ... ومجده في القبر من صحبه