يقول استر عنك يا عضد الدولة ما يجيري بيني وبين القلب ن المناجاة واخفي عنك هموم فراقك التي قد اطلت مزاحمتها ومغالبتها
[إذا عاصيتها كانت شدادا ... وإن طاوعتها كانت ركاكا]
أي إذا عاصيت هذه الهموم في فراق الممدوح اشتدت عليّ وإن طاوعتها في الإقامة عنده سهلت شدتها وصارت ركيكةً ويمكن أن يحمل على هموم الأهل والولد فيقول إذا عصيت هذه الهموم وأقمت عندك اشتدت عليّ وإن اطعتها في الإرتحال سهلت ولأنت
وكم دون الثوية من حزينٍ ... يقول له قدومي ذا بذاكا
الثوية مكان بالكوفة يقول كما دونها من إنسان حزين لفراقي إذا قدمت سر بقدومي فيقول له القدوم هذا السرور بذلك الغم الذي لقيته بغيبته كما قال الطائي، وليست فرحة الأوباتِ إلا، لموقوفٍ على ترحِ الوداعِ،
[ومن عذب الرضاب إذا أنخنا ... يقبل رحل تروك والوراكا]
تروك اسم ناقة حمله عليها عضد الدولة والوراك شيء يتخذه الراكب كالمخدة تحت وركه وجمعه وركٌ ومنه قول زهير، إلا القطوع على الأجواز والورك، يقول كما هناك من شخص عذب الرضاب إذا أنخت إليها ناقتي قبل رحلها لأنها أدنتني منه
[يحرم أن يمس الطيب بعدي ... وقد عبق العبير به وصاكا]
صاك الشيء بالشيء إذا لصق به يقول لم يمس بعدي طيبا حزنا على فراقي ومع ذلك تشمُ منه روائح الطيب حتى كان العبير قد لصق به
[ويمنع ثغره من كان صب ... ويمنحه البشامة والأراكا]
أي لا يصل إلى ثغر عاشق لعفته وتصونه ويمنح ثغره السواك المتخذ من هذين الشجرين والشامة يستاك بفرعها ومنه قول جرير، أتنسى إذ تودعنا سليمى، بفرع بشامةٍ سقي البشامُ، وكذلك الأراك وذكره كثير في الأشعار
[يحدث مقلتيه النوم عني ... فليت النوم حدث عن نداكا]
يقول إذا نام رأى خيالي في النوم فليت نومه حدثه عن إحسانك إليّ ليعذرني في المقام عندك
[وأن البدن لا يعرقن إلا ... وقد أنضى العذافرة اللكاكا]
يعرقن يأتين العراق والعذافرة الناقة الشديدة ومنه قول العبدي، عذافرة كمطرقة القيون، واللكاكا المكتنزة اللحم يقول ليت النوم حدثه أن ركابنا لا تبلغ العراق إلا وقد اهزلها ثقل ما حملت من نداك وانضى فعل نداك
وما أرضى لمقلته بحلمٍ ... إذا انتبهت توهمه ابتشاكا
أي وإن حدثه النوم فلست أرضى له بحلم يتوهمه كذاب عند الإنتباه والبشك ولابتشاك الكذب
[ولا إلا بأن يصغى وأحكى ... فليتك لا يتيمه هواكا]
روى ابن جنى فليته وهو على حذف الأشباع كما أنشده سيبويه، وما له من مجد تليد وذكرنا مثل هذا في قوله، تعثرت به في الأفواه السنها، يقول ولا أرضى بشيء إلا بأن يستمع إليّ واحكي له فليته لا يصير متيما بحبك إذا حكيت له إحسانك وإنعامك لأن الإحسان يستبعد الإنسان
وكم طربِ المسامعِ ليس يدري ... أيعجب من ثنائي أم علاكا
يقول وكم من إنسان تطربُ مسامعه إذا سمع شعري فيك ولا يدري أيتعجب من حسن ثنائي عليك أم من علوك يعني أن كلاهما عجب
وذاك النشر عرضك كان مسكاً ... وهذا الشعر فهري والمداكا
النشر الرائحة الطيبة ويريد به الثناء يقول ذاك الثناء الطيب الرائحة هو عرضك كان بمنزلة المسك وكان الشعر بمنزلة الفهر وهو الحجر الذي يستحق به الطيب والمداك وهو الصلابة التي يستحق عليها الطيب وطيب المسك إنما يظهر منهما كذلك رائحة الثناء إنما تفوح بالشعر وهذا من قول ابن الرومي، وما ازداد فضل فيك بالمدح شهرةً، بلى كان مثل المسك صادف مخوضا، والمخوض الذي يحرك به الطيب وذاك لا يزيد الطيب فضلا بل يظهر رائحته كذلك هذا الشعر يظهر فضائل الممدوح للناس ولايزيده فضلا
فلا تحمدهما وأحمد هماماً ... إذا لم يسم حامدهُ عناكا
يقول لا تحمد الفهر والمداك اللذين جعلتهما مثلا لشعري وأحمد نفسك فإنك تستحق الحمد بخصالك الحميدة وقوله إذا لم يسم حامده عني نفسه يقول إذا لم أسم الممدوح في شعري كنت أنت المعنيّ به
أغر له شمائلُ من أبيهِ ... غداً يلقى بنوك بها أباكا
يقول أنت ورثت شمائل أبيك وكما ورثتها أباك ورثها ابناءك فهم يلقون أباك بتلك الخلائق التي ورثوها منك وحقه أن يقول أباهم لكنه قال أباك إشارةً إلى أنهم لم يبلغوا بعد رتبتك حتى يشبهوك بل يشبهون أباك