بها أي بتلك الأمواه يعني بجريتها وروى ابن جنى لها أي لأجلها يعني لأجل جريتها
ولو كانت دمشق ثنى عناني ... لبيق الثرد صيني الجفانِ
يقول لو كانت هذه المغاني الطيبة دمشق لثنى عناني إليه رجلٌ ثريده ملبق وجفانُه صينية يعني لاضافني هناك رجل ذو مروة يحسن إلى الضيفان لأنها من بلاد العرب وشعب بوان من بلاد العجم وحمل ابن جنى قوله لبيق الثرد على الممدوح قال يقول لو كانت هذه المغاني كغوطة دمشق لرغبت عنها وملت إلى الممدوح وليس الأمر على ما قال فإن البيت ليس بمخلص ولم يذكر الممدوح بعد والمعنى أنه يبين فضل دمشق وأهلها وأحسانهم إلى الضيفان وخص دمشق من سائر البلاد لأن شعب بوان مضاهٍ لغوطى دمشق في الطيب وكثرة النبات والأشجار ويقول شيء لبيق ولبق والثرد جمع ثريد وروى ابن جنى بفتح الثاء على المصدر وقال يريد به الثريد
يلنجوجي ما رفعت لضيفٍ ... به النيران ندى الدخانِ
يريد أنهم يوقدون النار للأضياف باليلنجوج وهو العود الذي يتبخر به ودخانها ندىٌّ يشم منه رائحة الند أي هو يلنجوجي الذي ترفع به النار كما قال صيني الجفانِ
تحل به على قلبٍ شجاعٍ ... وترحلُ منه عن قلبٍ جبانِ
قال أبو الفتح يقول يسر بأضيافه فتقوى نفسه بالسرور فإذا رحلوا عنه اغتم قال أبو عليّ بن فورجة كأنه يظن انهما قلبا عضد الدولة ولو أراد ما قال لقال تحل به على قلبٍ مسرورٍ وترحل منه عن قلبٍ مغمومٍ فإما الشجاعة والجبن فلهما معنىً غير ما ذهب إليه وإنما يريد أنك إذا حللت به كنت ضيفا له وفي ذمامه فإنت شجاعُ القلب لا تبالي بأحد وتفارقه ولا ذمام لك فأنت جبان تخشى منا لقيك ومثله له، ون نفوسا أممتك منيعةٌ، البيت فالقلبان في البيت قلبا من يحل به ويرحل عنه هذا كلامه ويجوز أن يكون القلبان للمضيف على غير ما ذكره ابن جنى يقول تحل به أنت أيها الرجل على قلب شجاع جرى على الأطعام والقرى غير بخيل لأن البخل جبن وهو خوف الفقر وترحل منه عن قلبٍ جبانٍ خائفٍ فراقك وراتحالك وظاهر اللفظ يدل على أن القلبين للمضيف لأنه قال تحل به على قلبٍ وترحل عن قلبٍ فإذا جعلت القلبين للضيف فقد عدلت عن ظاهر اللفظ وحكى لنا أبو الفضل العروضي عن الاستاذ أبي بكر الخوارزمي أنه كان يقول يحل به الضيف وهو واثق بكرمه وإنزاله ويرحل عنه وهو يخاف أن لا يجد مثله قال وليس لجبن المضيف هاهنا معنًى فإنه لم يقل مغموم والجبن غير الغم
منازل لم يزل منها خيالٌ ... يشيعني إلى النوبندجان
نوبندجان بلدٌ بفارس يريد أنه يرى دمشق في النوم فهو بفارس وخيال منازل دمشق يتبعه والمعنى أنه يحبها ويكثر ذكرها ويحلم بها ويجوز أن يريد خيال حبيبٍ له بدمشق ونواحيها يأتيه في منامه
إذا غنى الحمامُ الورق فيها ... أجابته أغاني القيانِ
يريد طيبها واجتماع أصوات القيان والحمام بها فإذا غنت الحمام أجابتها القيان بغنائها
ومن بالشعب أحوج من حمامٍ ... إذا غنى وناحَ إلى البيان
يقول أهل الشعب أحوج إلى البيان من حمامها في غنائها ونوحها لأنه لا بيان لهم ولا فصاحة فلا يفهم العربي كلامهم وأخبر عن الحمام بالغناء والنوح لأن العرب تشبه صوت الحمام مرة بالغناء لنه يطرب ومرة بالنوح لأنه يشجي ونوحها وغناؤها مذكوران في أشعارهم
وقد يتقارب الوصفانِ جدا ... وموصوفاهما متابعدان
يقول العجمة تجمع الحمام وأهل الشعب والموصوف بها مختلف لأن الإنسان غير الحمام فأهل الشعب بعدوا بالإنسانية عن الحمام ووصفهما في الإستعجام متقاربٌ
يقول بشعب بوانٍ حصاني ... أعن هذا يسارُ إلى الطعانِ
أي فرسي يقول لي بهذا المكان منكرا عليّ السير منه إلى الحرب أعن هذا المكان يسار إلى المطاعنة ومعنى الإستفهام هاهنا الإنكار
أبوكم آدمٌ سن المعاصي ... وعلمكم مفارقةَ الجنانِ
يقول السنة في الإرتحال عن الأماكن الطيبة وفي معصية الله تعالى سنها لكم أبوكم آدم حين عصى فأخرج من الجنة وإنما ذكر هذا لكي يتخلص إلى ذكر الممدوح فيقول هذا المكان وإن طاب فإني لم أعرج به لما كان سبيلي إليه كما قال أيضا، لا أقمنا على مكانٍ وإن طاب البيت
فقلت إذا رأيت أبا شجاعٍ ... سلوت عن العباد وذا المكانِ