للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن حملنا قوله كل هذب على العموم فالحاجب ههنا بمعنى المانع لأنا لو حملنا الحاجب على المعهود كان مغمضا لأن هدب الجفن الأسفل إذا عقد بالحادب حصل التغميص فإذا جعلنا الحاجب بمعنى المانع صح الكلام وإن جعلنا الحاجب المعهود حملنا قوله كل هدب على التخصيص وإن كان اللفظ عاما فنقول أراد هدب الجفن الأعلى وهذا مثل قول الطرمي في رطاناته، ورأسي مرفوع إلى النجمِ كأنما، قفاي إلى صلبي بخيطٍ مخيط، وهذا من قول بشار، جفت عيني عن التغميض حتى، كأن جفونها عنها قصار،

[وأحسب أني لو هويت فراقكم ... لفارقته والدهر أخبث صاحب]

يريد أن الدهر يخالفه في كل ما أراد حتى لو أحب فراقهم لواصلوه وكان من حقه أن يقول لفارقني لأن قوله لفارقته فعل نفسه وهو يشكو الدهر ولا يشكو فعل نفسه ولكنه قلبه لأن من فارقك فقد فارقته فهذا من باب القلب وإنما قال اخبث صاحب وكان من حقه إن يقول اخبث الأصحاب لأنه أراد أخبث من يصحب وما كان اسم فاعلٍ في مثل هذا يجوز فيه الإفراد والجمع قال الله تعالى ولا تكونوا أول من يكفر به وأنشد الفراء، وإذا هم طعموا فألام طاعمٍ، وإذا هم جاعوا فشر جياعِ، فأتى بالأمرين جميعا وأشار أبو الطيب إلى أن من أهواه ينأى عني ومن أبغضه يقرب مني لسوء صحبة الدهر أياي كما قال لطف الله بن المعافى، أرى ما أشتهيه يفر مني، وما لا أشتهيه إليّ يأتي، ومن أهواه يبغضني عنادا، ومن أشناه يشبث في لهاتي، كأن الدهر يطلبني بثارٍ، فليس يسره إلا وفاتي،

[فيا ليت ما بيني وبين أحبتي ... من البعد ما بيني وبين المصائب]

ليتهم وأصلوني مواصلة المصائب وليتها بعدت عني بعدهم كما قال أيضا، ليت الحبيب الهاجري هجر الكرى، من غير جرمٍ واصلي صلة الضنا،

أراك ظننت السلك جسمي فعقتهِ ... عليك بدرٍ عن لقاء الترائب

أراد بالسلك الخيط الذي ينظم فيه الدر وفي البيت تقديم وتأخير لأن المعنى فعقته بدر عليك يقول لعلك حسبت السلك في دقته جسمي فمنعته عن مباشرة ترائبك بأن سلكته في الدر يشكو مخالفتها إياه وزهدها في وصاله والمعنى ميلك إلى مشاقتي حملك على منافرة شكلي حتى عقت السلك عن مس ترائبك بالدر لمشابهته أياي في الدقة

ولو قلم القيت في شقِّ رأسهِ ... من السقمِ ما غيرتُ في خط كاتبِ

تخوفني دون الذي أمرتْ به ... ولم تدر أن العار شر العواقبِ

الذي أمرت به ملازمة البيت وثرك السفروالذي خوفته به الهلاك وتقدير اللفظ تخوفني بشيء دون الذي أمرت به أي تخوفني بالهلاك وهو دون ما تأمر به من ملازمة البيت لأن فيها عارا والعار شر من البوار.

ولابد من يومٍ أغر محجلٍ ... يطول استماعي بعده للنوادبِ

أي يوم مشهور يتيمز بشهرته عن سائر الأيام أكثر فيه قتل أعادي فاسمع بعده صياح النوادب عليهم.

يهون على مثلي إذا رام حاجةً ... وقوع العوالي دونها والقواضب

يقول مثلي إذا طلب حاجةً لم يبالِ أن يكون جون الوصول إليها رماح وسيوف يعني يتوصل إليها وإن كان دونها حروب وأهوال وأراد بالوقوع ههنا الحلول كما يقال هذا يقع موقعه أي يحل محله

[كثير حياة المرء مثل قليلها ... يزول وباقي عيشه مثال ذاهب]

هذا حث على الشجاعة ونهي عن الجبن أي إذا كانت الحيوة لا تبقى وإن كانت طويلة فأي معنى للجبن

إليك فإني لست ممن إذا أتقى ... عضاض الأفاعي نام فوق العقاربِ

إليك كلمة تبعيد وتحذير يقول تباعدي عني فإني لست ممن إذا اتقى الهلاك صبر على الذل والهوان فجعل عض الأفاعي مثلا للهلاك لكونه قاتلا وجعل لسع العقارب مثلا للعار لأنه لا يقتل وقال ابن فورجة من بات فوق العقارب أدته كثرة لساعها إلى الهلاك كما لو نهشته الأفعى أي العار أيضا يؤدي الإنسان ذا المجد إلى الهلاك لتعيير الناس إياه بل هو اشد فإنه عذاب يتكرر والهلاك دقعةً واحدةً فجعل عض الأفاعي مثلا للهلاك ولسع العقارب مثلا للعار

أتاني وعيد الأدعياء وأنهم ... أعدوا لي السودان في كفر عاقبِ

يريد قوما يدعون نسب عليّ رضى الله تعالى عنه أرادوا به سوء وكفر عاقب اسم قرية بالشام

ولو صدقوا في جدهم لحذرتهم ... فهل في وحدي قولهم غير كاذبِ

<<  <   >  >>