أي كأنه حفر في قلب كل مسلم لحزنه عليه
بمزودٍ كفن البلى من ملكه ... مغفٍ واثمد عينه الكافور
يعني لم يزود من ملكه وملكه إلا دفنا يبلى وجعله مغفيا لأن الميت كالنائم لإطباق جفنه يقول كحل بالكافور بدل الاثمد
[فيه السماحة والفصاحة والتقى ... والبأس أجمع والحجي والخير]
يقول في ذلك الكفن هذه الأوصاف وهذه الاخلاق التي ذكرها والخير الكرم
[كفل الثناء له برد حياته ... لما انطوى فكأنه منشور]
يقال أنشر الله الميت ومنه قوله تعالى ثم إذا شاء أنشره ويقال أيضا نشره يقول ثناء الناس عليه وذكرهم أياه بعده كفيل برد حياته لأن من بقي ذكره فكأنه لم يمت وهذا من قول الحادرة، فأثنوا علينا لا أبا لأبيكم، بإحساننا إن الثناء هو الخلد، وقال التيمي أيضا، ردت صنائعه إليه حياته، فكأنه من نشرها منشور، وقال أيضا الطاءين سلفوا يرون الذكر عيشاً ثانياً، ومضوا يعدون الثناء خلودا،
[فكأنما عيسى بن مريم ذكره ... وكأن عازر شخصه المقبور]
أي ذكره أبدا يحييه كما أحيى عيسى عليه السلام عازر بعد ما مات واستزاده بنو عم الميت فقال ارتجالا
[غاضت أنامله وهن بحور ... وخبت مكايده وهن سعير]
يقال غاض الماء إذا نقص وغار وخبت سكن لهبها والسعير تسعر النار يقول لما مات غاض بحر جوده الذي كان يفيض على الناس بالعطاء وانطفأت نار كيده وكانت سعيرا على اعدائه
[يبكي عليه وما استقر قراره ... في اللحد حتى صافحته الحور]
قال ابن جنى كان يقال قراره ويختار النصب ومن رفعه فبفعله ومن نصبه فعلى الظرف يقول ليس من حقه البكاء عليه لأنه لم يستقر في قبره حتى صافحته حور الجنة وإذا كان بهذه الصفة والمنزلة من رحمة الله تعالى لم يبك عليه بل يفرح عليه لوصوله إلى كرامة الله تعالى
صبراً بنى إسحاق عنه تكرماً ... إن العظيم على العظيم صبور
يقول اصبروا عنه واستعملوا الكرم في الصبر عنه فإن الرجل العظيم يصبر على الأمر العظيم وروى ابن جنى عن العظيم أي عن الرجل العظيم
فلكل مفجوعٍ سواكم مشبهٌ ... ولكل مفقودٍ سواه نظير
يقول ليس في العالم مثلكم ولا مثله وكل منكم عظيم
[أيام قائم سيفه في كفه ال ... يمنى وباع الموت عنه قصير]
أي أذكركم تلك الأيام التي كان يقاتل فيها اعداءه وهو في مهلة من أجله لا تمتد إليه يد الموت
[ولطال ما انهملت بماء أحمر ... في شفرتيه جماجم ونحور]
ويروي أنهمرت يقول طالما سالت الجماجم والنحور من الاعداء في حدي سيفه بالدماء
فأعيد إخوته برب محمدٍ ... أن يجزنوا ومحمد مسرور
الوجه أن يكون محمد الأول النبي عليه الصلاة والسلام المرثي يقول لا ينبغي لهم أن يحزنوا علهي لأنه مسرور بما أصاره الله إليه من الكرامة
أو يرغبوا بقصورهم عن حفرةٍ ... حياه فيها منكرٌ ونكيرُ
قال ابن جنى وأعيذهم أن يتركوا زيارة قبره ويلزموا قصورهم وقال العروضي ما أبعد ما وقع أراد أن لا يحسبوا أن قصورهم أوفق له من الحفرة التي صارت روضةً من رياض الجنة حتى حياه فيها الملكان وشرح ابن فورجة هذا القول فقال ليس معنى البيت على ما ذكره أبو الفتح لكنه يقول أعيذهم إن يظنوا إن قصورهم كانت خيرا له من قبر حياه فيه الملكان يقال رغبت بك عن هذا الأمر أي رفعتك عنه والمعنى أعيذهم أن يرفعوا قصورهم فيجعلوها في حكمهم خيرا له من قبره أي أن قبره خير له من تلك القصور ومنزله في الآخرة أشرف من منازله التي كانت في الدنيا
[نفر إذا غابت غمود سيوفهم ... عنها فآجال العداة حصور]
يقول بنو اسحاق نفر أي رهط وجماعة إذا سلوا سيوفهم فغابت عن اغمادها حضرت آجال اعدائهم لأنهم يقتلونهم في تلك الحال
وإذا لقوا جيشاً تيقن أنه ... من بطن طير تنوفة محشور
التنوفة الأرض البعيدة يقول إذا حاربوا جيشا من الاعداء تيقن ذلك الجيش أنهم يحشرون من بطون الطير لأنهم يقتلوان فتأكلهم الطير
[لم تثن في طلب أعنة خليهم ... ألا وعمر طريدها مبتور]
يقول لم تعطف اعنة خيل هؤلاء القوم في طلب عدو إلا وعمر ذلك العدو الذي طردته خيلهم بأن اتبعته يصير مبتورا مقطوعا
يممت شاسع دارهم عن نيةٍ ... إن لمحب على البعاد يزور