كيف يتجه قول أبي الفتح مع قوله يخدن بنا وهذا يحتمل معنيين أحدهما أنا وإن كنا نسير فكأننا لا نسير لطول المفازة وأنه ليس لها طرف والكرة لا يكون لها طرف والكرة لا يكون لها طرف ينتهي إليه السير لذلك قال كأننا على كرة أو كان أرض الخرق تسير معنا حيث كانت لا تنقطع كما قال السريّ، وخرقٍ طال فيه السير حتى، حسبناه يسير مع الركابِ، والثاني أنه يصف شدة سيرهم والكرة توصف بكثرة الحركة والتنزي كما قال بشار، كان فؤاده كرة تنزى، حذار البين لو نفع الحذار، والإنسان إذا اسرع في السير أو في الركض رأى الأرض كأنها تسير معه من الجانبين لذلك قال أو أرضه معنا سفر.
ويوم وصلناه بليلٍ كأنما ... على أفقه من برقهِ حلل حمرُ
يصف إدآبهم للسير ووصلهم فيه اليوم بالليل والضمير في أفقه يعود إلى الليل ولا يكون لليل أفق إنما أراد أفق السماء في ذلك الليل
[وليل وصلناه بيوم كأنما ... على متنه من دجنه حلل خضر]
أي كأن على متن ذلك اليوم من ظلمة السحاب حللا سودا والسواد يسمى خضرة ومنه، في ظل أخضر يدعو هامه البوم، أو يريد أنه سافر في أيام الربيع
[وغيث ظننا تحته أن عامرا ... علا لم يمت أو في السحاب له قبر]
عامر جد الممدوح يقول كأنه في السحاب قد ارتفع إليه ولم يمت فهو يصب المطر علينا صبا أو قبره في السحاب فقد اعداه بجوده
[أو ابن ابنه الباقي علي بن أحمد ... يجود به لم أجز ويدي صفر]
يقال صفرت اليد تصفر صفرا فهي صفر ولا يقال صفرة يقول لو لم اجز هذا الغيث ويدي خالية لقلت أن الممدوح كان في السحاب ولما جزت ويدي صفر علمت أنه جود لاجود
[وأن سحابا جوده مثل جوده ... سحاب على كل السحاب له فخر]
يعني أن تشبيه جود ذلك السحاب بجود مدح للسحاب وفخر له
[فتى لا يضم القلب همات قلبه ... ولو ضمها قلب لما ضمه صدر]
يقولما تجمع في قلبه من الهمم لا يجمعه قلب غيره ولو ضمها قلب لكان عظيما مثلها ولو كان كذلك لما وسعه الصدر لعظم القلب وهذا مما أجرى فيه المجاز مجرى الحقيقة لأن عظم الهمة ليس من كثرة الأجزاء حتى يكون محلها واسعا لسعتها ألا ترى أن قلب الممدوح قد وسعها وصدره قد وسع قلبه وليس بأعظم من صدر غيره وقد قال ابن الرومي، كضمير الفؤاد يلتهم الدنيا ويحويه دفتا حيزوم، فبين أن الفؤاد يستغرق الدنيا بالعلم والفهم ثم يحويه جانيا الصدر
[ولا ينفع الإمكان لولا سخاؤه ... وهل نافع لولا الأكف القنا السمر]
يقول لولا سخاؤه لما انتفع الناس بإمكانه وغناه لأنه قد يكون الإمكان مع الشح فلا ينفع والمعنى أن الوجود لا ينفع بلا جود كالرماح لا تعمل ولاتنفع بلا راح
[قران تلاقي الصلت فيه وعامر ... كما يتلاقى الهنداوي والنصر]
القران اسم لمقارنة الكوكبين جعل اجتماع جديه من الطرفين في المصاهرة ونسب الممدوح كقران الكواكب تعظميا له ثم شبه إجتماعهما بإجتماع السيف الهندي مع النصر فإذا إجتمعا حسن أثرهما وعلا أمرهما ثم ذكر تمام المعنى فيما بعد فقال:
[فجاءا به صلت الجبين معظما ... ترى الناس قلا حوله وهم كثر]
صلت الجبين واضح الجبين وقد مر تفسيره يقول ترى الناس حوله وهم كثيرون بالعدد قليلون بالإضافة إليه والقياس به والقل والكثر الكثرة والتقدير ذو قل أي في المعنى وهم ذو كثر في العدد ثم حذف المضاف
[مفدى بآبآء الرجال سميدعا ... هو الكرم المد الذي ما له جزر]
أي يقول له الرجال فديناك بآبائنا والسميدع السيد الكريم وجمعه سمادع والمد زيادة الماء والجزر نقصانه وجعله كرما لكثرة وجوده منه يقول هو كرم زائد لا نقصان له.
وما زلت حتى قادني الشوق نحوه ... يسايرني في كل ركبٍ له ذكر
أي ما زلت يسايرني في كل ركب ذكره حتى قادني الشوق إليه أي قبل أن أتيته كنت أسمع ذكره وما صاحبت أحدا إلا وهو يذكره بمدح وثناء.
[وأستكبر الأخبار قبل لقائه ... فلما التقينا صغر الخبر الخبر]
يعني بالأخبار ما يسمعه من حديثه الشائع في الناس والخبر الخبرة والاختبار يقول كانت استعظم ما اسمعه من حديثه قبل أن لقيته فلما لقيته صغر خبره خبره أي وجدته خيرا مما كنت اسمع
إليك طعنا في مدى كل صفصفٍ ... بكل وآةٍ كل مما لقيت نحرُ