أي إذا كانوا يسقونها بندى أيديهم فلم لا تورق صخورها لفضل ندى أيديهم على ندى السحاب أي كان من حقها أن تلين حتى تنبت الورق وهذا منقول من قول البحتري، أشرقن حتى كاد يقتبسُ الدجى، ورطبن حتى كاد يجري الجندلُ، ثم هو من قول أبي الشمقمق وكان مع طاهر بن الحسين في سميرية فقال عجبت لحراقة ابن الحسين كيف تعوم ولا تغرق فقال وما أربك يا ابن اللخناء إلى أن تغرق فقال، وحبرانِ من تحتها واحدٌ، وآخرُ من فوقها مطبقُ، وأعجبُ من ذاك عيدانها، وقد مسها كيف لاتورقُ
وتفوحُ من طيبِ الثناءِ روائحٌ ... لهم بكلِّ مكانةٍ تستنشقُ
يقال مكان ومكانة كما يقال منزل ومنزلة ودار ودارة وقال الله تعالى أعلموا على مكانتكم والثناءُ يوصف بطيب الرائحة لأن طيب اخبار الثناء في الآذان مسموعةً كطيب الروائح في الأنوف مشمومةً وتستنشق تطلب رائحتها بالأنوف والمعنى أن أخبار الثناء عليهم تسمع بكل مكان لكثرة المثنين عليهم
مسكيةُ النفحاتِ إلا أنها ... وحشيةٌ بسواهمُ لا تعبقُ
يقول روائح ما يسمع من الثناءِ عليهم مسكيةٌ لها طيبُ المسك إلا أنها نافرةٌ لا تعلق بغيرهم ولا تفوح إلا منهم والمعنى لا يثني على غيرهم كما يثني عليهم
أمريد مثل محمدٍ في عصرنا ... لا تبلنا بطلابِ ما لا يلحقُ
يقول يا من يريد أن يوجد له نظيرٌ لا تمتحنا بطلاب ما لا يدرك والبيت من قول البحتريّ، ولئِن طلبتُ نظيرهُ إني إذا، لمكلفٌ طلب المحال ركابي، ثم أكد بقوله
لم يخلقِ الرحمن مثل محمدٍ ... أحداً وظني أنه لا يخلقُ
أي إذا كان الله تعالى لم يخلق له مثلا كان طلب مثله محالا
يا ذا الذي يهبُ الكثير وعنده ... أني عليه بأخذهِ أتصدقُ
أي يعتقد أني إذا أخذت هبته فقد تصدقت بها عليه ووهبتها له فهو متقلد المنة بذلك ويوجب لي الشكر والتصدق اعطاء الصدقة وقال الله تعالى وتصدق علينا
أمطر على ساحبَ جودك ثرةً ... وأنظر إليّ برحمةٍ لا أغرقُ
الثرة الغزيرة الكثيرة الماء من الثرارة وقال عنترة، جادت عليه كلُّ عينٍ ثرةٍ، فتركن كل قرارةٍ كالدرهمِ، يقول اجعل سحاب جودك ماطراً على مطرا غزيرا ثم ارحمني بان تحفظني من الغرق كيلا أغرق في كثرة مطرك
كذب ابنُ فاعلةٍ يقولُ بجهلهِ ... مات الكرام وأنت حيٌّ ترزقُ
كنى بالفاعلة عن الزانية يقول كذب من قال أن الكرام قد ماتوا ما دمتَ في الأحياء مرزوق ويروى ترزق بفتح التاء أي ترزق الناس تعطيهم أرزاقهم والأول اجود لأنه يقال حيٌّ يرزق وذلك أنه ما دام حيّا كان مرزوقا لن الرزق ينقطع بالموت وقال أيضا في صباه يمدح عليّ ابن أحمد الخراسانيّ
حشاشةُ نفسٍ ودعت يوم ودعوا ... فلم أدر أي الظاعنينِ أشيعُ
يقول لي بقية نفس ودعتني يوم ودعني الاحباب فذهبت في آثارهم فلم ادر أي المرتحلين اشيع منهما يعني الحشاشة والحبيب المودع في جملة من ودعوه وروى الظاعنين على لفظ الجمع للنفس والاحباب الذين ذكرهم في قوله ودعوا
أشاروا بتسليمٍ فجدنا بأنفسٍ ... تسيلُ من الآماقِ والسمُ أدمعُ
يقول اشاروا إلينا بالسلام علينا فجدنا عليهم بأرواح سالت من الآماق واسمها دموع أي أنها كانت ارواحنا سالت من عيوننا في صورة الدموع تفسير هذا قوله، خليليَّ لا دمعاً بكيتُ وإنما، هو الروح من عيني تسيلُ بمخرجِ، والمؤق طرف العين الذي يلي الأنف وجمعه أمأاق وهو مهموز العين ويقلب فيقدم الهمز فيقال آماق مثل بئر وآبار وأصل السم بكسر العين ويقال سُم أيضا ومثل هذا لأبي الطيب، أرواحنا انهملتْ وعشنا بعدها، من بعدِ ما قطرت على الأقدامِ
حشايَ على جمرٍ ذكيٍ من الهوى ... وعينايَ في روضٍ من الحسنِ ترتعُ
الحسا ما في داخل الجوف ويريد به القلب ههنا يقول قلبي على جمرٍ شديدِ التوقد من الهوى لأجل توديعهم وفراقهم وعيناي ترتع من وجه الحبيب في روض من الحسن والبيت من قول أبي تمام، أفي الحقِّ أن يضحي بقلبيَ مأتمٌ، من الشوقِ والبلوى وعينايَ في عُرسِ، وإنما لم يقل ترتعان لأن حكم العينين حكم حاسّة واحدة فلا تكاد تنفرد أحداهما برؤية دون الأخرى فاكتفى بضمير الواحد كما قال الآخرُ بها العينان تنهل
ولو حملتْ صمُّ الجبالِ الذي بنا ... غداةَ افترقنا أوشكتْ تتصدعُ