[فالليل حين قدمت فيها أبيض ... والصبح منذ رحلت عنها أسود]
يقول أبيض الليل في هذه البلدة بنورك وضيائك حين قدمت وأسود صباحها منذ خرجت منها وهذا من قول أبي تمام، وكانت وليس الصبح فيها بأبيض، فأضحت وليس الليل فيها بأسود،
مازلت تدنو وهي تعلو عزة ... حتى توارى في ثراها الفرقدُ
ويروي رفعة يقول لم تزل تقرب من منبج وهي تزداد عزة ورفعة لقربك منها حتى علت النجوم فصارت فوق الفرقدين
[أرض لها شرف سواها مثلها ... لو كان مثلك في سواها يوجد]
أرض سوى منبج لها شرف مثل شرف منبج لو وجد فيها مثلك أي إنما شرفها بك فهو وجد مثلك في غيرها لكانت تساويها في الشرف
[أبدى العداة بك السرور كأنهم ... فرحوا وعندهم المقيم المقعد]
أي أظهروا السرور لقدومك خوفا منك لا فرحا بك وعندهم من الحسد والخوف ما يزعجهم
قطعتهم حسداً أراهم ما بهم ... فتقطعوا حسداً لمن لا يحسد
يردي أنهم حسدوك فماتوا بشدة حسدهم إياك فكأنك قطعتهم إرباً حتى تقطعوا حسداً لمن لا يحسد أحدا لأنه ليس فوقه أحد فيحسده ولن نالحسد ليس من اخلاقه وقوله قطعتهم حسدا هو كقولك أهلكته ضربا وأفنيته قتلا وقوله أراهم ما بهم من التقصير عنك والنقص دونك أي كشف لهم عن احوالهم وما في محل النصب لأنه مفعول أرى وقول من قال ما بهم من قولهم فلان لما به إذا اشرف على الموت ليس بشيء ولا يلتفت إليه
حتى انثنوا ولو أن حر قلوبهم ... في قلب هاجرةٍ لذاب الجلمد
أي انصرفوا عنك وعن مباهاتك عالمين بنقصهم وفي قلوبهم من حرارة الحسد والغيظ ما لو كان في هاجرة لذاب الحجر واستعار للهاجرة قلبا لما ذكر قلوبهم
[نظر العلوج فلم يروا من حولهم ... لما رأوك وقيل هذا السيد]
العلوج غلاظ الأجسام من الروم والعجم يقول شغلوا بالنظر إليك عن النظر إلى غيرك فصاروا كأنهم لا يرون أحدا سواك من القوم الذين حولهم ورأوا منك ما دلهم على سيادتك فقالوا هذا هو السيد وعنى بالعلوج القادة من الروم
[بقيت جموعهم كأنك كلها ... وبقيت بينهم كأنك مفرد]
قال ابن جنى أي كنت وحدك مثلهم كلهم لأن ابصارهم لم تقع إلا عليك وشغلت وحدك أعينهم فقمت مقام الجماعة هذا كلامه والمعنى أنهم لصغرهم في جنبك كأنه لا وجود لهم وإذا فقدوا كنت كل من بذلك المكان ثم حقق هذا المعنى بالمصراع الثاني وأتى بكاف التشبيه دلالة على أن هذا تمثيل لا حقيقة ومعنى لا وجود
[لهفان يستوبي بك الغضب الورى ... لو لم ينهنهك الحجي والسودد]
اللهف حرارة الجوف من شدة وكرب ويستوبي يستفعل من الوباء وأصله يستوبىء بالهمزة ويقال نهنهه إذا رده وكفه ويريد باللهفان المغتاظ والغضبان وهو حالٌ للممدوح من قوله وبقيت وتقدير الكلام يسوبىء الورى الغضب بك يعني الغضب الذي بك يجدونه وباءٌ مهلكا لهم لو لم ينهك سوددك وحلمك عن إهلاكهم
كن حيث شئت تسر إليك ركابنا ... فالأرض واحدةٌ وأنت الأوحد
يقول كن في أي موضع شئت من البلاد فأنا نقصدك وأن بعدت المسافة فإن الأرض واحدة وأنت أوحدها أي فأنت الذي تزار وتقصد دون غيرك قال ابن جنى قوله فالأرض واحدة أي ليس للسفر علينا مشقة لإلفنا إياه قال العروضي ليست شعري أي مدح للممدوح في أن يألف المتنبي السفر ولكن يقول الأرض هذه التي نراها ليس أرضا غيرها وأنت اوحدها لا نظير لك في جميع الأرض وإذا كان كذلك لم يبعد السفر إليه وإن طال لعدم غيره ممن يقصد
[وصن الحسام ولا تذله فإنه ... يشكو يمينك والجماجم تشهد]
قال ابن جنى صنه لأن به يدرك الثأر ويحمى الذمار قال ابن فورجة كيف أمن أن يقول ما أذلته إلا لأدرك به ثأري وأحمي ذماري وهذا تعليل لو سكت عنه كان أحب إلى أبي الطيب وإنما يعني أنك قد أكثرت القتل فحسبك وأغمد سيفك فقال صن صيفك وإنما يريد اغمده وهذا كقوله، شم ما انتضيت، البيت
[يبس النجيع عليه وهو مجرد ... من غمده وكأنما هو مغمد]
يقول أن الدم الجاسد عليه صار كالغمد له حتى يرى مجردا كالمغمود وهذا من قول البحتري، سلبوا وأشرقت الدماء عليهم، محمرةً فكأنهم لم يسلبوا، وهو من قول الآخر، وفرقت بين أبني هشيم بطعنةٍ، لها عاند يكسو السليب إزارا،
ريان لو قذف الذي أسقيته ... لجرى من المهجات بحر مزبد