للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام أبو الحسن الخطيب (١) في كتاب "الفتاوى" (٢): "المفتي على مذهب إذا أفتى بكون الشيء كذا (٣) على مذهب إمام، ليس له أن يقلّد غيره ويفتي بخلافه لأنَّه محض تشهِّ"، وقال أيضًا (٤): "إنه بالتزامه مذهب إمام مكلف به ما لم يظهر له غيره، والمقلِّد (٥) لا يظهر له، بخلاف المجتهد حيث ينتقل من أمارة إلى أمارة"، ووجّه بهذا مسألة الأصول التي حكي فيها الاتفاق (٦) وقال (٧): "لا يصح التقليد في شيء مركب من اجتهادين مختلفين بالإجماع"، ومثّلوا له بما إذا توضّأ ومسح بعض شعره ثم صلَّى بنجاسة الكلب (٨)، قال في كتاب "توقيف الحكّام على غوامض الأحكام" (٩):


= ولكن في دعوى اجتماع الأصوليين على ذلك نظر، فقد ذكر ابن نظام الدين وأمير بادشاه وبدر الدين الزركشي عدم صحة ما قاله ابن الحاجب والآمدي من الاتفاق على عدم جواز رجوع المقلد فيما قلد به، وبيَّنَوا أن في كلام غيرهما ما يقتضي جريان الخلاف بعد العمل أيضًا، كما في "فواتح الرحموت" ٢/ ٤٠٥، و"تيسير التحرير" ٣/ ٢٥٣ و"البحر المحيط في أصول الفقه" ٦/ ٣٢٤.
يقول ابن عبد العظيم المكي (- ١٠٦١ هـ) في كتابه "القول السديد في بعض مسائل الاجتهاد والتقليد" ص ١٢٢، ١٢٣: "إن مرادهم من قولهم: لا تقليد بعد العمل، أنه إذا عمل مرة في مسألة بمذهب في طلاق أو عتاق أو غيرهما واعتقده وأمضاه، ففارق الزوجة مثلًا واجتنبها وعاملها معاملة من حرّمت عليه، واعتقد البينونة بينه وبينها بما جرى منه من اللفظ مثلًا، فليس له أن يرجع عن ذلك ويبطل ما أمضاه ويعود إليها بتقليده ثانيًا إمامًا غير الإمام الأول الذي قلده فيها، حيث كان الثاني يرى خلاف ما رآه الإمام الأول".
(١) هو علي بن عبد الكافي السُّبكي، الملقب بـ"تقي الدين" كان شيخ الإسلام في عصره وأحدَ الحفاظ المفسرين، ولد في مصر وارتحل إلى الشام فولي فيها القضاء، ثم عاد إلى القاهرة وتوفي فيها سنة ٧٥٦ رحمه الله تعالى، وله تصانيف كثيرة. (الأعلام ٤/ ٣٠٢).
(٢) "فتاوى السبكي" ١/ ١٤٨.
(٣) أي: واجبًا أو مباحًا أو حرامًا، كما قاله السبكي في "الفتاوى" بدل كلمة (كذا).
(٤) المرجع السابق، الصفحة نفسها. وانظر "البحر المحيط" للزركشي ٦/ ٣٢٤.
(٥) في "الفتاوى": " .. يكلف به ما لم يظهر له غيره، والعامي لا يظهر له … ".
(٦) أي وجّه الإمام السبكي بقوله: (إنه بالتزامه مذهب … الخ) المسألةَ الأصولية التي حكى فيها الآمدي وابن الحاجب الاتفاق، وهي جواز الرجوع عن التقليد قبل العمل لا بعده، فقال السبكي بعدما نقل ذلك عنهما: "هذا وجه ما قالاه ولا بأس به" إلا أنه كان قد توقف عند دعوى الاتفاق وقال: "فيها نظر". انظر "فتاوى السبكي" ١/ ١٤٨.
(٧) "فتاوى السبكي"، المسألة الخامسة، الحالة السادسة، ١/ ١٤٧، والنقل عند المصنف بالمعنى. وفي (ج): " وقالوا … "، تحريف.
(٨) "قال ابن حجر: ولا يجوز العمل بالضعيف في المذهب، ويمتنع التلفيق في مسألة، كأن قلد مالكًا في طهارة الكلب، والشافعي في مسح بعض الرأس في صلاة واحدة"، كذا في: "حاشية البجيرمي على الخطيب" ١/ ٥١.
(٩) كتاب "توقيف الحكام على غوامض الأحكام" لشهاب الدين أحمد بن عماد الأقفهسي المصري=

<<  <   >  >>