للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

زماننا من أصحابنا إذا استفتي عن مسألة:

إن كانت مروية عن أصحابنا في الروايات الظاهرة بلا خلاف بينهم فإنه يميل إليهم ويفتي بقولهم، ولا يخالفهم برأيه، وإن كان مجتهدًا متقنًا (١)؛ لأن الظاهر أن يكون الحق مع أصحابنا ولا يعدوهم، واجتهاده لا يبلغ اجتهادهم، ولا يَنظر إلى قول مَن خالفهم ولا يقبل حجته؛ لأنهم عرفوا الأدلّة وميّزوا بين ما صحّ وثبت وبين ضده.

وإنْ كانت المسألة مختلفًا (٢) فيها بين أصحابنا، فإن كان مع أبي حنيفة أحدُ صاحبيه، يأخذ بقولهما، لوفور الشرائط واستجماع أدلة الصواب فيها، وإن خالف أبا حنيفة صاحباه في ذلك؛ فإن كان اختلافهم اختلاف عصر وزمان، كالقضاء بظاهر العدالة، يأخذ بقول صاحبيه لتغير أحوال الناس (٣)،


(١) قال الإمام علاء الدين الكاساني رحمه الله تعالى: "لو أفضى راْي المجتهد إلى شيء، وهناك مجتهد آخر أفقه منه له رأي آخر فأراد أن يعمل برأيه من غير النظر فيه، وترجح رأيه بكونه أفقه منه، هل يسعه ذلك؟ ذكر في كتاب "الحدود" أن عند أبي حنيفة يسعه ذلك، وعندهما لا يسعه إلا أن يعمل برأي نفسه. وذكر في بعض الروايات هذا الاختلاف على العكس … وهذا يرجع إلى كون أحد المجتهدين أفقه، من غير النظر في رأيه، هل يصلح مرجِّحًا؟ من قال يصلح مرجحًا قال يسعه، ومن قال لا يصلح قال [لا] يسعه". (بدائع الصنائع ٧/ ٤، ٥، مع زيادة "لا" - بين الحاصرتين - ليستقيم المعنى).
وهذا خلافٌ في المسألة كما ترى، وجلّ ما ذكر ابن قطلوبغا في مقدمته هذه تبعًا لقاضي خان، يرتكز على أساس أحد القولين، وهو أخذ المجتهد بقول من هو أفقه منه، واعتبار ذلك من جنس الدليل وصلاحيته للترجيح ..
وأحسب أن أنصار هذا الرأي وجدوه أجدر للتطبيق عندما عزّ التسليم للمجتهد بالاجتهاد خوفًا من تسلسل الأدعياء، واعتماد ذلك في الفتوى والقضاء يسهّل أو يساعد على ضبط كثير من المسائل. ولكنْ قد يكون هذا التوجّه أيضًا هو من جملة ما ساعد على جمود الفقه الإسلامي في حقبٍ طويلة! والله تعالى أعلم.
(٢) في مخطوطة الأصل: "مختلف" خطأ.
(٣) قال العلامة المحقق ابن عابدين رحمه الله تعالى: "كثير من الأحكام تختلف باختلاف الزمان لتغير عرف أهله أو لحدوث ضرورة أو فساد أهل الزمان، بحيث لو بقي الحكم على ما كان عليه أولًا=

<<  <   >  >>