للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مثله، وأول وقت العصر إذا خرج وقت الظهر على القولين وآخر وقتها ما لم تغرب الشمس، وأول وقت المغرب إذا غربت الشمس وآخر وقتها ما لم يغب الشفق وهو البياض الذي في الأفق بعد الحمرة عند أبي حنيفة، وقال أبو يوسف ومحمد: الشفق هو الحمرة*،

مثله (١)، وروى الترمذي (٢) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن للصلاة أولًا وآخرًا. . . وإن آخر وقت الظهر حين يدخل وقت العصر. ."، وفسَّره أبو هريرة في رواية مالك (٣) عنه أنه قال: "وصلِّ الظهر إذا كان ظلُّك مثلَك، وصلّ العصر إذا كان ظلك مثليك. ."، وهذا كله بعد حديث إمامة جبريل، فوجب اعتباره (٤)، والله أعلم.

قوله: (وقال أبو يوسف ومحمد: هو الحُمْرة)، قال الإمام أبو المفاخر


(١) وفي إعلاء السنن: ٢/ ٤، ٥: "الحديث نصٌّ في بقاء الوقت بعد المثل، كما هو المشهور من مذهب إمامنا الأعظم رحمه الله تعالى، إذ من المعلوم اللازم عادة أن الأجسام المنبطحة إذا كان ظلها مساويًا لها يكون ظل الأجسام المنتصبة زائدًا على المثل لا محالة. . . وأما تأويل الحديث بغير هذا فهو ضعيف جدًّا وخلاف الظاهر. . وقول الحافظ ابن حجر: إن ذلك كان في السفر فلعلّه أخر الظهر حتى يجمعها مع العصر - كذا في فتح الباري [٢/ ٢٦]- يبطله تعليله صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: "إن شدة الحر من فيح جهنم" فإنه يدل على أن علة التأخير كانت شدة الحر، وهي لا تختص بسفر ولا حضر بل تعمهما جميعًا، والحكم يدور مع علته دائمًا كما لا يخفى، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وصلم: "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة. . الخ" - أخرجه الجماعة - فإنه يبطل تخصيص الإبراد بالسفر صراحة.
وقد جاء في رواية النَّسَائِي - السنن رقم ٤٩٩ - ما هو أصرح منه بسند رجاله ثقات عن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبْرد بالصلاة وإذا كان البرد عجّل".
(٢) "سنن الترمذي"، كتاب الصلاة، باب ما جاء في مواقيت الصلاة ١/ ٢٨٣، رقم ١٥١.
(٣) "الموطأ" للإمام مالك، كتاب وقوت الصلاة ١/ ٨، رقم ٩، وأول الحديث هو أن عبد الله بن رافع سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة، فقال أبو هريرة: "أنا أخبرك، صلِّ الظهر. . . الخ".
(٤) قال العلامة الكمال بن الهمام رحمه الله تعالى: ". . . الظاهر اعتبار كل حديث روي مخالفًا لحديث جبريل ناسخًا لما خالفه فيه، لتحقق تقدم إمامة جبريل على كل حديث روي في الأوقات؛ لأنَّه أول ما علّمه إياها". (فتح القدير ١/ ١٩٤).
وحديث إمامة جبريل هو ما رواه الترمذي ١/ ٢٧٨ - ٢٨٠ وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمَّني جبريل عند البيت مرتين، فصلى الظهر في الأولى منهما حين كان الفيء مثل الشراك، ثم صلى العصر حين كان كل شيء مثل ظله، ثم صلى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصائم، ثم صلى العشاء حين غاب الشفق، ثم صلى الفجر حين برق الفجر وحرُم الطعام على الصائم، وصلى المرة الثانية الظهر حين كان ظل كل شيء مثله لوقت العصر بالأمس، ثم صلى العصر حين كان ظل كل شيء مثليه، ثم صلى المغرب لوقته الأول، ثم صلى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل، ثم صلى الصبح حين أسفرت الأرض، ثم التفت إليّ جبريل فقال: يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت فيما بين هذين الوقتين".

<<  <   >  >>