للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

له أن يرده بعيب وإن لم يسم العيوب ويعدها.

قلت: لم يتفق المشايخ على اختيار قولهما بل مَن نظر إلى ثبات (١) الرواية وقوّة الدليل صحّح قول الإمام، ومن نظر إلى الرفق بالناس اختار قول محمد. قال في "الذخيرة": "قال القُدُوري: إذا أكل الطعام ثم اطلع على عيب به قال أبو حنيفة: لا يرجع بنقصان العيب، وقالا: يرجع، والصحيح قول أبي حنيفة لأن الأكل واللُّبس في مِلك الغير يُسبِّب الضمان، وإنما سقط الضمان عنه بسبب الملك، والتقرير ما ذكرنا (٢)، وقال: وكان الفقيه أبو جعفر وأبو الليث يفتيان في هذه المسائل بقول محمد رفقًا بالناس، وعليه اختيار [الشيخ] الصدر الشهيد حسام الدين"، انتهى. وقد اعتمد قولَ الإمام البرهانيُّ والنسفي، والله أعلم.

قال القاضي (٣): "هذا إذا كان الطعام في وعاء واحد أو لم يكن في وعاء، فإن كان في وعائَين في جَوْلَقين (٤) أو في قَوْصَرَتَيْ تمر (٥) أو ما أشبه ذلك، فأكل ما في أحدهما أو باع، ثم علم بعيب كان عند البائع، كان له أن يرد الباقي بحصته من الثمن في قولهم؛ لأن المكيل والموزون إذا كان في وعائَين كان (٦) في حكم العيب بمنزلة شيئين مختلفين"، انتهى.

قلت: بل هذا مختلف فيه أيضًا، فحكي هذا في "الذخيرة" عن أبي جعفر الهِنْدُوَاني، وأنَّه كان يفتي به، ويزعُم أنَّه رواية عن أصحابنا وبه أخذ الشيخ الإمام خُواهَرْ زاده (٧) .. ثم قال: "ومن المشايخ من قال: لا فرق بينهما إذا


(١) في (جـ ود): "إثبات".
(٢) في (جـ): "وإنما سقط الضمان فيه بسبب الملك، والتقريب ما ذكرنا".
(٣) "فتاوى قاضي خان" ٢/ ٢٠٩.
(٤) في "الفتاوى": "جوالقين"، قال في القاموس: "الجُوالِق: وعاء معروف، الجمع: جَوالِق كصحائف وجَواليق وجَوالِقات". (القاموس المحيط ص ١١٢٦، وانظر تاج العروس ٢٥/ ١٢٩).
(٥) في "الفتاوى": "أو في قَوصرتين أو .. "، والقَوْصَرَة أو القَوصَرَّة: وعاء للتَّمر، كما جاء في "القاموس" ص ٥٩٥.
(٦) في نسخة (د): "إذا كانا في وعائين كانا في حكم العيب بمنزلة الشيئين المختلفين".
(٧) هو محمد بن الحسين بن محمد البخاري، المعروف ببَكر خُواهَر زاده، كان إمامًا فاضلاً، بحرًا في مذهب أبي حنيفة. وهو عالم ما وراء النهر، له طريقة حسنة مفيدة جمع فيها من كل فمن، وأملى ببخارى مجالس وخرج له أصحابٌ أئمة. له المختصر والتجنيس والمبسوط. توفي سنة ٤٨٣ رحمه الله تعالى. (الجواهر المضية ٣/ ١٤١، ١٤٢، رقم ١٢٨٩، تاج التراجم ص ٢٥٩، ٢٦٠، رقم ٢٣٣، الفوائد البهية ص ٢٧٠، ٢٧١، رقم ٣٤٤).

<<  <   >  >>