للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالقاهرة عند الأشرف قايِتْباي (١)، وكذا بسفارة الأتابك أيبك فقدرت وفاته قبله.

ولما استقر رفيقه السيف الحنفي في مشيخة المؤيدية عرض عليه السكنى بقاعها لعلمه بضيق منزله وكثرة عياله، مع تكلفه بالصعود إليه لكونه بالدور الأعلى، فما وافق. .

ولما استقر الشمس الأمشاطي في قضاء الحنفية رتب له من معاليمه في كل شهر ثمان مئة درهم، لمزيد اختصاصه به، وتقدم صحبته معه.

ومع أنه لم ينل من المناصب ما يستحقه ويناسب حاله، حتى التدريس في الأمكنة التي صار يدرس فيها من هو دونه في جميع الأوصاف (٢)، إلا أنه كان عالي الهمة، عظيم النفس، لم يتأثر بظروفٍ (٣) شخصية أو غيرها فيعتزل الناس، بل دأب على العكس، حيث كان يألف مجالس المناظرة ومذاكرة العلماء بتواضع، وأخلاق رفيعة. .

يقول السخاوي (٤): "هو إمام علامة قوي المشاركة في فنون، ذاكر لكثير من الأدب ومتعلقاته، واسع الباع في استحضار مذهبه وكثير من زواياه وخباياه، متقدم في هذا الفن، طلق اللسان، قادر على المناظرة وإفحام الخصم، لكن حافظته أحسن من تحقيقه، مغرم بالانتقاد ولو لمشايخه حتى بالأشياء الواضحة. . ولقد سمعته يقول: إنه أفرد زوائد متون الدارقطني أو رجاله على الستة من غير مراجعتها!. كثير الطرح لأمور مشكلة يمتحن بها، وقد لا يكون عنده جوابها (٥)، ولهذا كان بعضهم يقول: إن كلامه أوسع من علمه، وأما أنا [الإمام السخاوي] فأزيد على ذلك بأن كلامه أحسن من قلمه، مع كونه غاية في التواضع وطرح التكلف وصفاء الخاطر جدًّا، وحسن المحاضرة لا سيما في الأشياء التي يتحفظها، وعدم اليبس والصلابة،


(١) الأشرف قايتباي، من أبرز سلاطين دولة المماليك، حكم مدة طويلة؛ من سنة ٨٧٢، حتى سنة ٩٠١. (الأعلام ٥/ ١٨٨).
(٢) كما قال صاحب "البدر الطالع" ٢/ ٤٧.
(٣) انظر ما سيأتي ذكره من ضيق عيشه وبلائه.
(٤) في "الضوء اللامع" ٦/ ١٨٧، ١٨٨.
(٥) كذا في مطبوعة "الضوء اللامع"، وقد وجدت في "طبقات الحنفية" للسخاوي هذه العبارة بلفظ: "وقد يكون عنده جوابها" ومعنى ما أثبتّ أولى، والله أعلم. وكتاب طبقات الحنفية المذكور، مخطوط في المكتبة الوطنية بدمشق، برقم ١٣٨١٨.

<<  <   >  >>