للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يمكن تجاوزه والاستغناء عنه، إلا أن الوصول إلى الغاية فيه قد لا يتيسّر أو يتعذر على الكثير الغالب من المتفقهين، فقد جاء كتاب "التصحيح والترجيح" لييسر هذا الصعب، وليسدي خدمة جليلة للفقه الحنفي، حيث عمد مصنِّفه إلى "مختصر القدوري" واختار ما ورد فيه من مسائل الخلاف بين أصحاب المذهب، وبيّن القول الصحيح المعتمد منها، فقرب المسائل وجمع الشوارد من كتب كثيرة في مصنَّف واحد.

وإذا كان هذا الكتاب قد نال أهميته من خلال موضوعه وأسلوب تصنيفه - في اعتنائه بالوحدة الموضوعية - فإنه يزداد أهمية بمصنِّفِه العالم النبيه، ذي الملَكة الفقهية الوقّادة، الذي تميّز بكثير من التحرر والانفتاح، فلم يقبل، أو لم يقنع بكل مسألة جاءت على لسان السابقين من غير تحقيق وتدقيق. . يقول رحمه الله في أول رسالته المسماة: "رفع الاشتباه عن مسألة المياه": "لما منع علماؤنا رحمهم الله تعالى مَن كان له أهلية النظر من محض تقليدهم على ما رواه الشيخ الإمام العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن يوسف، قال حدثنا أبو يوسف عن أبي حنيفة - رحمهما الله - أنه قال: لا يحل لأحد أن يفتي بقولنا ما لم يعرف من أين قلناه، تتبّعت مآخذهم وحصلت منها بحمد الله تعالى على الكثير، ولم أقنع بتقليد ما في صحف كثير من المصنفين. . ."، وقال في رسالة أخرى: "وإني ولله الحمد، لأقول كما قال الطحاوي لابن حربويه: لا يقلد إلّا عصبي أو غبي" (١).

وإن رجلًا هذا شأنه، وعالمًا هذه منزلته، لقمينٌ بأن يتصدر للكتابة في موضوع دقيق ومهم، هو ترجيح ما عليه العمل مما فيه خلاف من المسائل، ولجدير كذلك بأن يُعتمد على ما انتهى إليه من تحقيقات وترجيحات.

هذا وقد اعتني بكتابه هذا كبار العلماء والفقهاء، ونقلوا كثيرًا من مسائله في مصنفاتهم، بل إن العلامة إبراهيم البيري الذي اشتهر بشرحه كتاب "الأشباه" لابن نجيم، عبّر عن أهمية كتاب التصحيح بعمل شرح عليه أيضًا (٢).


(١) نقل هذين القولين العلامة ابن عابدين رحمه الله، بعدما اعتبر أن الشيخ قاسمًا قد بلغ رتبة الاجتهاد. (انظر: "رسم المفتي" ١/ ٣٢)، وقد وقفنا في مبحث سابق على شخصية المؤلف العلمية، وأقوال بعض فضلاء أهل العلم في حقه، انظر ص ٤٩ - ٥٢.
(٢) ذكر ذلك إسماعيل باشا البغدادي في "هدية العارفين" ١/ ٣٤، ولم أقف على هذا الشرح فيما رجعت إليه من فهارس المخطوطات.

<<  <   >  >>