للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجدي نفعًا، ولم يقع موقعه، حيث جعل العلة والمدرك في ذلك إنما هو التصريح دون الالتزام، ولا شك أن العمل والفتوى على كتب المذهب من المتون والشروح، كما صرح به هو وغيره، ألا ترى أنهم يقولون في أحكام كثيرة يقع فيها مصادمة من بعض الكتب لبعض: على رواية كتاب البيوع الحكم كذا، وعلى رواية كتاب الصلاة الحكم كذا، وكذا يقولون: على رواية شرح الطحاوي الحكم كذا وعلى رواية القدوري الحكم كذا إلى غير ذلك، فالمشايخ رحمهم الله إنما اعتمادهم على المتون وشروحها لأنها موضوعة لما هو المعتمد في المذهب، ولو عملنا بما ذهب إليه الشيخ قاسم من هذا البحث لزمنا إلغاء جميع روايات الكتب التي عليها العمل إذا وجدنا نقلًا عنها ونقلًا عن الفتاوى مصرَّحًا بالتصحيح فيه، وليس الأمر كذلك، إذ لم يقل به أحد من أئمتنا ولا هو المدرك في المسألة، بل المدرك فيها ما صرح هو به في صدر مقدمة "التصحيح" من أن ذلك اختلاف عصر وزمان، وفيه يفتى بقولهما، كما اختاره المشايخ المتأخرون وأجمعوا عليه، كما قد تقرر في موضعه "اهـ. وهو ملمح حسن.!

وبعد ذلك؛ أشير إلى منهج المتأخرين - كما اصطلحت تسميته - فقد كان أول ذلك عندما نشأت مقولة تقسيم الفقهاء على طبقات، وتقسيم المسائل على مراتب (١)، حيث جُعل ذلك أساسًا في تقديم أحد القولين المتعارضين على مقابله. .

وبحث العلامة ابن عابدين في أصول الترجيح في المذهب، فحقق وأجاد، وأغنى الموضوع وأفاد، وكان من أبرز ما قاله وأضافه على كلام السابقين في موضوع: اختلاف الفقهاء المجتهدين في المسائل التي لم يرد فيها نص عن السابقين، أنه إن كان اجتهاد الأكثر في مقابل اجتهاد الأقل، فالأرجح هو اجتهاد الأكثر، ممّا يختاره الفقهاء الكبار، كأبي حفص، وأبي جعفر، وأبي الليث، والطحاوي، وغيرهم ممن يعتمد عليه في الاجتهاد، فإن تعذّر ذلك، ولم يوجد منهم جواب البتة، فالمفتي مخير بين الاجتهادين مطلقا (٢).

وإذا كانت الروايات واردة في كتابين معتبرين، فإما أن تصحّح الروايتان معًا


(١) أي منذ القرن العاشر الهجري، وانظر المدخل ص ٢١ - ٣٠.
(٢) انظر "رسم المفتي" لابن عابدين ١/ ٣٣.

<<  <   >  >>