للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تدوينه الأولى، حيث أيّد الله تعالى الإمام بأصحابِ أئمة مجتهدين، بحثوا معه المسائل ودوّنوا معه الكتب، إذ "كان أصحاب أبي حنيفة الذين دوّنوا معه الكتب أربعين رجلًا كبراء الكبراء" (١).

ثم صنَّف الإمام محمد بن الحسن الشيباني كتبًا تلقّاها علماء الأمصار من بعده بالرضا والقَبول، وكانت عمدة المذهب الحنفي، ومرجعًا لمن ألّف في الفقه من بعده، وهي الكتب التي سمّيت بظاهر الرواية، وقد قيل في شأنها: "إن القاضي المقلِّد لا يجوز له أن يحكم إلا بما هو ظاهر الرواية، لا بالرواية الشاذة، إلّا أن ينصّوا على أن الفتوى عليها" (٢). وكتب ظاهر الرواية ستة: "المبسوط، والزيادات، والجامع الصغير، والسِّيَر الصغير، والجامع الكبير، والسير الكبير"؛ وقد يسمونها مسائل الأصول، وهي مروية عن الإمام محمد بالأسانيد الصحيحة الثابتة، وهي إمّا متواترة أو مشهورة عنه (٣).

ثم جمع الحاكم الشهيد (- ٣٣٤ هـ) كتب محمّد الستة في كتاب "الكافي" ولقي كتابُه هذا الكثير من التقدير تبعًا لأصوله، قال العلامة إبراهيم البيري (- ١٥٩٩ هـ) في "شرح الأشباه" (٤): "أعلم أن كتب مسائل الأصول: كتاب الكافي للحاكم الشهيد، وهو كتاب معتمد في نقل المذهب". وقد شرحه جماعة من العلماء منهم شمس الأئمة السرخسي (- ٤٨٣ هـ) وهو الشرح الذي اشتهر بـ: "مبسوط السرخسي"، وقد نال كذلك الثّقة والاعتماد في المذهب، حيث "لا يُعمل بما يخالفه، ولا يُركَن إلّا إليه، ولا يفتى ولا يعوّل إلا عليه" (٥).

ولقد حرص الأئمة الفقهاء قديمًا كالإمام أبي جعفر الطّحَاوي (- ٣٢١ هـ)، والإمام أبي الحسن الكَرْخي (- ٣٤٠ هـ)، والإمام أبي الحسين القُدُوْرِي (- ٤٢٨ هـ)، على وضع مختصرات تجمع مسائل الفقه المعتمدة، وتضبط أقوال الفقهاء المعتبرة في المذهب، مع الدقّة في العبارة والتمحيص في الصياغة، فجاءت كتبهم موجزة


(١) "حُسْن التقاضي في سيرة الإمام أبي يوسف القاضي" للكوثري ص ١٢، وفيه أن الخبر المذكور رواه الإمام الطّحاوي بسنده إلى المغيرة بن حمزة.
(٢) رسالة "رسم المفتي" - ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين - ١/ ١٦.
(٣) انظر: "رد المحتار على الدر المختار"، للعلامة ابن عابدين ١/ ٤٧، و"رسم المفتي" له ١/ ١٦.
(٤) ونقله في: "رد المحتار" ١/ ٤٧، ٤٨، و"رسم المفتي" ١/ ٢٠.
(٥) "حاشية ابن عابدين" ١/ ٤٧، ٤٨.

<<  <   >  >>