للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبارة جامعة الإشارة، حتى يسهل على طالب العلم أن يستظهرها بأيسر طريق، وفي أقل زمن.

ولما كان مصنفو هذه المختصرات من كبار الفقهاء وحذّاق الأئمة، وقد التزموا فيها إيراد الراجح والمقبول في المذهب، صارت متونهم "موضوعة لنقل المذهب مما هو ظاهر الرواية" (١)، فمسائلها ملحقة بمسائل الأصول في صحتها وعدالة رواتها، "وقد تواترت عن مصنفيها كما لا يخفى. ." (٢).

واهتمّ عامّة علماء المسلمين قديمًا وحديثًا بتلقين النشء وتحفيظهم تلك المتون المختصرة الجامعة، لتكون نواةً صالحة، أو رُكنًا ثابتًا لما يمكن أن يبنى عليها من فقه وعلم. يقول الإمام فخر الإسلام قاضي خان (- ٥٩٢ هـ): "ينبغي للمتفقه أن يحفظ كتابًا واحدًا من كتب الفقه دائمًا، ليَتيسّر له بعد ذلك حفظ ما يسمع من الفقه" (٣).

ثم اتسع اهتمام العلماء بالمختصرات، وصنفوا لها شروحًا كثيرة، بل إن أسلوب كتابة "الشروح" و"الحواشي" في التصنيف الفقهي، كان هو الأسلوب المعتمد الغالب عبر قرون عديدة.

ومع انتشار حركة الشروح هذه، ومع جهود العلماء الكبيرة في تنظيم الأبواب الفقهية وجمع شتات المسائل وتعليلها وتخريج الحوادث والنوازل على الأصول، يتبيّن للناظر مدى اختلاف الروايات وأقوال الأئمة في أغلب المسائل، وتشعّبِ آراء المجتهدين في المذهب، والمخرّجين عليه حول ما استجدّ من الوقائع.

لهذا، دعت الحاجة إلى ظهور أسلوب جديد في التأليف والكتابة، ونمط غير مسبوق في التعليق على المختصرات، من شأنه تقريب تلك المسائل - المختلف فيها - للطلاب، ببيان القول الصحيح المعتمد في المذهب سواء إذا تعدّدت أقوال الإمام في مسألة، أو عند اختلاف الأئمة - أبي حنيفة وأصحابه -، أو عند اختلاف الرواية عنهم في مسألة من المسائل، وإظهار الرأي الراجح من بين الآراء الاجتهادية المختلفة، فيكون ذلك المصنَّف ضابطًا لفتاوى المفتين، وموحِّدًا لأقضية القضاة


(١) "رسم المفتي" ١/ ٣٧.
(٢) "حاشية ابن عابدين" ١/ ٤٩.
(٣) "تعليم المتعلم طريق التعلم"، للزّرْنُوجي، ص ٨٣.

<<  <   >  >>