للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأسلوب جديد، أو رأي قد يسبق إليه، فيبرهن عليه.

وكان أبرز ما امتاز به منهج المؤلف في "تصحيحه"، هو التزامه ترجيح كل ما ذهب إليه الإمام الأعظم فيما وجد له فيه قول، إلا في مسائل ألجأته ضرورة تغير الزمان إلى اختيار ما اتفق المتأخرون على ترك العمل بقول الإمام، وفي ذلك يقول رحمه الله: "إن المجتهدين نظروا في المختلف ورجّحوا وصحّحوا، فشهدت مصنفاتهم بترجيح دليل أبي حنيفة والأخذ بقوله إلا في مسائل يسيرة. . . الخ" (١).

أما إذا لم يكن الخلاف خلاف عصر وزمان، بل حجة وبرهان، وقد رجّح بعض العلماء أو صحّح قول أحد الصاحبين دون قول الإمام، فإن المؤلف كان يحرص على إيراد ما استُدِل به لأبي حنيفة، وإثبات صحة ما ذهب إليه.

ولقد ساعده حفظه المذهب واطلاعه الواسع على أصول المؤلفات فيه، على إدراج روايات لأبي حنيفة تبين بعض المسائل التي كان يُظن أن المفتى فيها على قول بعض أصحابه، وأن لا رواية فيها عن الإمام، كيف أنها مروية عن أبي حنيفة أيضًا، والعملُ بقوله هو الأصل الذي لا ينبغي أن يعدل عنه اختيارًا. .

مثال ذلك ما جاء في مسألة: (إذا صلى المريض قاعدًا)، حيث قال المؤلف (٢): "قال في الذخيرة: قال الفقيه أبو الليث: الفتوى على قول زفر، قلت: وليس هو قول زفر وحده، بل أشار إليه أبو حنيفة ومحمد، على ما قال محمد في كتاب الآثار. . .".

وكأنّ المصنف قصد من تصنيف هذا الكتاب أن ينبّه الدارسين والمفتين أن قول أبي حنيفة هو القول الذي ينبغي أن يرجع إليه ويعول عليه، وأن السبيل إلى إثبات ذلك هو معرفة ما صحت نسبته إليه من بين سائر الروايات، وذلك هو المراد بـ (التصحيح)، ثم ترجيح قوله على غيره من أقوال الأصحاب وذلك هو (الترجيح).

ولقد حرص المصنّف حرصًا شديدًا على الأمانة في العزو إلى المصادر، فنسب كل قول إلى مصدره، مع كثرة تلك النقول والمصادر. . أما بالنسبة للنقل، فهو أمين فيما نقل أيضًا، إلا أنه قد يتصرف أحيانًا تصرفا لفظيًّا غير مخل بالمعنى، مفضِّلا


(١) انظر ص ١٣١، ١٣٢.
(٢) ص ١٨٠.

<<  <   >  >>