ويعتمد المصنف في اختيار الصحيح من المسائل الخلافية على كلام السابقين، يذكر أقوالهم وينقل تصحيحاتهم ويقارن بين الآراء والترجيحات المختلفة، ثم يكثر من حشد الأقوال التي تصحح ما يراه موافقًا لما هو ظاهر الرواية. . أو أصلح للزمان فيما لا رواية فيه، وهكذا؛ مِن غير أن يصحِّح المسائل برأيه، وما رأيته صحح مسألة من نفسه قط، بل يقول: وتصحيح فلان أولى، أو الراجح في المسألة قول فلان، وغير ذلك. . تقديرًا منه لمكانة السابقين في العلم، ولغلبة تواضعه من أن ينسب الأقوال إلى نفسه، ما دام قد سَبق إلى تصحيح المسألة غيرُه، والله تعالى أعلم.
إنّ المصنف وإن التزم بالمنهج الذي وضعه في مقدمة الكتاب غالبًا، وهو أن يضع على مختصر القدوري تصحيحات معزوة إلى قائلها أو ناقلها، حيث تتبع - رحمه الله - المسائل التي اختلف فيها أبو حنيفة وصاحباه أو أحدهما، من مسائل المختصر المذكور، فذكر فيها معتمد الإمام برهان الشريعة المحبوبي، والإمام أبي البركات النسفي وغيرهما، ولكنه أثرى الكثير من الموضوعات - التي اختَلف الأئمة في تصحيحها - بمناقشات علميّة، وأدلة نقلية وعقلية، فذكر بعض الآيات والآثار، وأوجُهَ الاستنباط منها، وآراء المجتهدين، وما إلى ذلك. . كما أضاف مسائل جديدة نص على تصحيحها العلامة قاضي خان، ملتزمًا في ذلك ما ذكره في المقدمة حيث قال (١): "مع زيادات نص على تصحيحها القاضي الإمام فخر الدين قاضي خان في فتاواه، فإنه مِن أحقّ مَن يعتمد على تصحيحه".
إن هذا الكتاب - مع تنوّعه وغناه -، لو كان مقتصرًا على مجرّد نقول لتصحيحات وجمع لروايات، لاعتُبر عملا جديرًا بالتقدير والاعتناء، إذ أملته عقلية علمية لها صفاتها الخاصة، ووجهتها الفريدة، وهو عمل دلّ على قدرة كبيرة على الفهم والتحصيل، مِن تمثّل أفكار السابقين واستيعابها وإخراجها في صورة خاصة، بل إنه يعتبر نوعًا من التجديد في أساليب التصنيف الفقهي بالنظر إلى حالة المناهج التي عرفت في التأليف آنذاك، بالإضافة إلى ما له من فضل في حفظ كثير من الآراء والنقول المنسوبة إلى أصحابها الأولين.