للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الاطّراد معنى كما أن الابتداء معنى، ومن شأن العرب أن تحمل الشىء على الشىء، مع حصول أدنى تناسب بينهما، حتى إنهم قد حملوا أشياء على نقائضها (١):

ألا ترى أنّهم قد أتبعوا حركة الإعراب حركة البناء فى قراءة من قرأ: {الْحَمْدُ لِلّهِ} (٢) بكسر الدال، وكذلك أتبعوا حركة البناء حركة الإعراب في قراءة من قرأ {الْحَمْدُ لِلّهِ} بضم اللام (٣)، وكذلك أتبعوا حركة البناء حركة الإعراب فى نحو: يا زيد ابن عمرو، فى قول من فتح الدال من زيد.

وقد كان شافهنى هذا المتعدّى طوره بهذا الهراء الذى ابتدعه، والهذاء الذى اختلقه واخترعه، فقلت له: إنّ ضمّة المنادى لها منزلة بين منزلتين، فقال منكرا لذلك: وما معنى المنزلة بين المنزلتين؟ فجهل معنى هذا القول، ولم يحسّ بأنّ هذا الوصف يتناول أشياء كثيرة من العربية، كهمزة بين بين، التى هى بين الهمزة والألف، أو الهمزة والياء، أو الهمزة والواو، وكألف الإمالة، التى هى بين ألف التفخيم والياء، وكالصاد المشربة صوت الزاى، وكالقاف التى بين القاف الخالصة والكاف.

وأما قوله: إنّ الألف واللام هنا ليست للتعريف؛ لأن التعريف لا يكون إلاّ بين اثنين فى ثالث، والألف واللام هنا فى اسم المخاطب، والصحيح أنها دخلت بدلا من


(١) عالج ابن الشجرى أشياء من الحمل على النقيض فى المجلس الثامن، والمجلس السابع والستّين.
(٢) أول فاتحة الكتاب. وكسر الدال إتباع لحركة اللام، وهى قراءة الحسن البصرىّ وزيد بن على. المحتسب ١/ ٣٧، والبحر ١/ ١٨، والإتحاف ١/ ٣٦٣.
(٣) وهى قراءة أهل البادية، وإبراهيم بن أبى عبلة. وانظر مع المراجع السابقة: معانى القرآن للفراء ١/ ٣، وللزجاج ١/ ٤٥، وقد ذكر، رحمه الله، كلاما جيدا فى أن القراءة سنّة واتّباع، وأنه لا تجوز القراءة بكلّ ما يجوز فى الكلام، قال رحمه الله: «فأمّا القرآن فلا يقرأ فيه الْحَمْدُ إلاّ بالرفع؛ لأن السنّة تتّبع فى القرآن، ولا يلتفت فيه إلى غير الرواية الصحيحة التى قد قرأ بها القرّاء المشهورون بالضبط والثّقة» ثم قال: «وقد روى عن قوم من العرب: «الحمد لله» و «الحمد لله» وهذه لغة من لا يلتفت إليه ولا يتشاغل بالرواية عنه. وإنما تشاغلنا نحن برواية هذا الحرف؛ لنحذّر الناس من أن يستعملوه، أو يظنّ جاهل أنه يجوز فى كتاب الله عزّ وجلّ. . . .».