للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل]

قد تكرّر قولنا إنّ الكسر هو الأصل فى حركة التقاء الساكنين، فإن قيل:

لم كان الكسر هو الأصل، دون الضمّ والفتح؟

فمن ذلك جوابان، أحدهما: أنّ الجرّ لما اختصّ بالاسم، والجزم اختصّ بالفعل، صارا نظيرين، فلما أرادوا أن يحرّكوا المجزوم للقاء ساكن، حرّكوه بأشبه الحركات بالجزم، فقالوا: لم يقم الغلام، ولمّا وجب ذلك فى السكون المسمّى جزما، حملوا عليه السكون المسمّى وقفا، فقالوا: كم المال، كما جاء: {خُذِ الْعَفْوَ} (١) و {قُمِ اللَّيْلَ} (٢).

والثانى: أنهم لو حرّكوا المجزوم للقاء الساكن بالضمّ أو الفتح، التبست حركته بالحركة الحادثة عن عامل، ألا ترى أنك لو قلت: لا يخرج الغلام، فكسرت الجيم، أردت أن تنهاه عن الخروج، ولم يكن فى ذلك صدق ولا كذب، ولو قلت: لا يخرج الغلام، فضممت الجيم، كان خبرا منفيّا، واحتمل التصديق والتكذيب، فلولا الفرق بين هذين المعنيين باختلاف الحركة، التبس النهى بالنفى، ونظير ذلك فى التنزيل قوله تعالى، ناهيا: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (٣) فلو ضمّت ذال «يتّخذ» صار المعنى: ليس يتّخذ المؤمنون الكافرين أولياء، وقد علمنا/أنّ بعض المؤمنين اتّخذ بعض الكافرين أولياء، بقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} (٤) ثم قال بعد هذا: {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ}.


(١) سورة الأعراف ١٩٩.
(٢) الآية الثانية من سورة المزمّل.
(٣) سورة آل عمران ٢٨.
(٤) أول سورة الممتحنة.