للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فصل

اختلف القرّاء فى رفع النّون ونصبها، من قوله تعالى: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} (١)

فقرأ نافع والكسائىّ، وحفص عن عاصم {بَيْنَكُمْ} نصبا، وقرأه الباقون رفعا (٢).

قال أبو علي: البين: مصدر بان يبين، إذا فارق، واستعمل هذا الاسم على ضربين، أحدهما: أن يكون اسما متصرّفا كالافتراق.

والآخر: أن يكون ظرفا ثم استعمل اسما، والدليل على جواز كونه اسما قوله: {وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ} (٣) و {هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} (٤) فلمّا استعمل اسما فى هذه المواضع، جاز أن/يسند إليه الفعل الذى هو {تَقَطَّعَ} فى قول من رفع.

ويدلّ على أن هذا المرفوع هو الذى استعمل ظرفا: أنه لا يخلو من أن يكون الذى هو ظرف اتّسع فيه، أو يكون الذى هو مصدر، فلا يجوز أن يكون هذا القسم؛ لأن التقدير يصير: لقد تقطّع افتراقكم، وهذا خلاف المعنى المراد، ألا ترى أن المراد لقد تقطّع وصلكم وما كنتم تتألّفون عليه.

فإن قلت: كيف جاز أن يكون بمعنى الوصل، وأصله الافتراق والتباين، وعلى هذا قالوا: بان الخليط، إذا فارق، وفى الحديث «ما بان من الحيّ فهو ميتة» (٥).


(١) سورة الأنعام ٩٤.
(٢) راجع المجلس السابع، وزد على المراجع المذكورة هناك: كتاب الشعر ص ٣٠٦، وشرح الحماسة ص ٦١٢،١٠٩٥.
(٣) سورة فصلت ٥.
(٤) سورة الكهف ٧٨.
(٥) لم أجده بهذا اللفظ فى دواوين السنّة التى بين يدىّ. وفى معناه ما رواه ابن ماجة: «ما قطع من حىّ فهو ميت». السّنن (باب ما قطع من البهيمة وهى حيّة، من كتاب الصيد) ص ١٠٧٣. وانظر أيضا سنن أبى داود (باب فى صيد قطع منه قطعة، من كتاب الصيد) ٣/ ١١١، وعارضة الأحوذى (باب-