للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مصادر ابن الشجرى]

جاء ابن الشجرى وقد استوى النحو العربى على سوقه أو كاد، فقد فرغ النحاة من وضع الأصول وبسط الفروع، ولم يكد أبو الفتح ابن جنى يضع قلمه المبدع بعد هذه التصانيف الجياد التى نفذ بها إلى أسرار العربية، حتى كان هذا إيذانا ببدء مرحلة جديدة يعكف فيها النحاة على هذا الموروث العظيم الذى آل إليهم: كشفا عن أسراره، ونفاذا إلى دقائقه، وتنبيها على غوامضه، واستدراكا لفائته.

ونعم كان للجيل الذى تلا ابن جنى، ولجيل ابن الشجرى آراء مبتكرة، والعربية فسيحة الأرجاء، متراحبة الأطراف، وقد يفتح الله على الأواخر بما لم يفتح به على الأوائل، ولكن يظل الفرق بين هؤلاء وهؤلاء كما ترى من الفرق بين الجدول الصغير والبحر الزخّار، ولو أتيح لكل مصنّفات الأوائل أن تذيع وتنتشر، لعرفت صدق ما أقول.

وما أريد أن أسلب الأجيال الخالفة حقها، فما إلى هذا قصدت، وما أنا بمستطيعه، ولكنى أريد أن أدل على عظمة الأوائل الذين عرفوا للغتهم حقّها، من دقة النظر وحسن الفقه، وكريم الرعاية، ثم ما كان لنا أن نفقه سرّ العربية ونقف على دقائقها لولا جهود هذه الأجيال اللاحقة التى جمعت الوجوه، ورصدت النظائر، ثم أحسنت التبويب والتأليف.

وابن الشجرى واحد من هذا النفر الكريم الذين أحسنوا النظر فى ذلك الحصاد الطيب الذى سبق به الأوائل، وعكف عليه: شارحا ومفسّرا، ومتعقّبا وناقدا، ومضيفا ومستدركا.

وقد كانت أمالى ابن الشجرى معرضا لآراء أعلام النحاة، على اختلاف مذاهبهم واتجاهاتهم، وقد نقل ابن الشجرى كثيرا عن أعلام النحو واللغة المتقدمين، وتظهر أهمية هذه النقول فيما حكاه عن كتبهم المفقودة، من مثل كتاب «الأوسط» للأخفش سعيد بن مسعدة، و «الواسط» لأبى بكر بن الأنبارى، وبعض كتب أبى على الفارسى، وما إليها، ثم فيما حكاه عن سيبويه والمبرد، مما ليس يوجد فى المطبوع من «الكتاب والمقتضب والكامل».

<<  <  ج: ص:  >  >>