للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسألة]

سئل عمّا تصدّر به كتب الإقرارات، وهو: «أقرّ فلان وأشهد على نفسه» فقيل: أيّ الألفاظ الثلاثة أولى بالاستعمال، أيقرّ ويشهد، أم أقرّ وأشهد، أم أقرّ ويشهد؟ وهل يكون صادقا فى قوله: أقرّ وأشهد على نفسه، وهو لم يشهد؟

فكان الجواب: إن الإقرار والإشهاد يقعان معا فى وقت واحد، لأنه إذا تلفّظ بالإقرار بمحضر من الشاهد، فقد حصل الإشهاد بحصول الإقرار، من غير فصل، ومن قبل أن يثبت الشاهد خطّه، وإنما كتب الشّروطىّ: أقرّ، لأنه حينئذ أقرّ بقلبه ونيّته، فإذا أقرّ عند الشاهد [بلسانه (١)] فقد وقع الإشهاد مع/الإقرار، وإقراره بلسانه أن يقول له الشاهد: أهكذا تقول؟ فيقول: نعم، وإنما آثروا: أقرّ وأشهد، دون يقرّ ويشهد، لأن لفظ الماضى أوكد وأبعد (٢) من الشّبهة، من حيث كان دالاّ على إقرار قد وقع، فوقع الإشهاد بوقوعه، والمستقبل يدلّ على إقرار متوقّع، على أن العرب قد أوقعت بعض أمثلة الأفعال موقع بعض، مع حصول العلم بما يقصدونه، فأوقعوا الماضى فى موضع المستقبل، والمستقبل فى موضع الماضى، فمن إيقاع المستقبل فى موضع الماضى، قوله تعالى: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ مِنْ قَبْلُ} (٣) أوقع «تقتلون» فى موضع «قتلتم» ومثله: {ما يَعْبُدُونَ إِلاّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ} (٤) المعنى: كما عبد آباؤهم، ومن إيقاع الماضى فى موضع المستقبل قوله تعالى:

{وَنادى أَصْحابُ النّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ} (٥) أراد: ينادى، لأن هذا النداء إنما يكون يوم القيامة، ومثله: {وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى اِبْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اِتَّخِذُونِي}


(١) سقط من هـ‍.
(٢) فى هـ‍: أوكد بعد الشبهة.
(٣) سورة البقرة ٩١.
(٤) سورة هود ١٠٩.
(٥) سورة الأعراف ٥٠.