للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فصل]

أنبّه فيه على فضائل أبى الطّيّب، وأورد فيه غررا من حكمه. فمن بدائعه قوله فى الحمّى:

وزائرتى كأنّ بها حياء ... فليس تزور إلاّ فى الظّلام (١)

بذلت لها المطارف والحشايا ... فعافتها وباتت فى عظامى

المطارف: جمع مطرف، ومطرف، وهو الذى فى طرفه علمان.

والحشايا: جمع حشيّة، وهو ما حشى، ممّا يفرش.

إذا ما فارقتنى غسّلتنى ... كأنّا عاكفان على حرام

إنما خصّ الحرام، والاغتسال يكون من الحلال والحرام؛ لأنه جعلها زائرة، والزائرة غريبة، فليست بزوجة ولا مملوكة (٢).

كأنّ الصّبح يطردها فتجرى ... مدامعها بأربعة سجام

إنما قال: «بأربعة» لأنه أراد الغروب والشّئون، وواحدهما: غرب وشأن، وهما مجارى الدّموع.

أراقب وقتها من غير شوق ... مراقبة المشوق المستهام

ويصدق وعدها والصّدق شرّ ... إذا ألقاك فى الكرب العظام

أبنت الدّهر عندى كلّ بنت ... فكيف وصلت أنت من الزّحام

جعل الحمّى بنتا للدّهر؛ لأنها تحدث فيه، فكأنه أب لها.

وقوله: «عندى كلّ بنت» يريد كلّ شديدة يحدثها الدهر.


(١) ديوانه ٤/ ١٤٦ - ١٤٨.
(٢) ويقول الواحدى: «وإنما خصّ الحرام لحاجته إلى القافية، وإلاّ فالاجتماع على الحلال كالاجتماع على الحرام فى وجوب الغسل». شرح الديوان ص ٦٧٨.