عاصر ابن الشجرى من خلفاء بنى العباس: القائم بأمر الله (٤٦٧ هـ)، والمقتدى بأمر الله (٤٨٧ هـ)، والمستظهر بالله (٥١٢ هـ)، والمسترشد بالله (٥٢٩ هـ)، والراشد بالله (٥٣٢ هـ) والمقتفى لأمر الله (٥٥٥ هـ).
وقد ولد ابن الشجرى ومات ببغداد، كما ترى، وبغداد يومئذ تحت سلطان السلاجقة الذين دخلوها (١) عام سبعة وأربعين وأربعمائة، بقيادة محمد بن ميكائيل ابن سلجوق المعروف بطغرل بك، الذى عمل مع جنده على إعادة الخليفة العباسى القائم بأمر الله، من الحديثة إلى بغداد، ورجع الخطبة باسمه، ثم أزال ملك بنى بويه من العراق وغيره.
وقد أفاض المؤرخون فى الحديث عن التحولات السياسية والاجتماعية التى طرأت على المجتمع البغدادى فى ظل الدولة السلجوقية، والذى يعنينا فى هذا المجال حركة الفكر والثقافة، وأود أن أشير إلى أمر هام، يغفل عنه كثير من الدراسين، حين يسرفون فى تقسيم العصور إلى عصور علو وعصور انحطاط، فالمتتبع لحركة الفكر العربى فى عصوره المختلفة يروعه هذا الحشد الهائل من العلماء وطلاب المعرفة، فلم يكد ينتصف القرن الثانى الهجرى حتى اندفع العلماء فى الجمع والتصنيف، فعمرت حلقات الدرس بالطلاب، وزخرت المكتبات بالتآليف فى شتى فروع الثقافة، وقد شمل هذا النشاط العالم الإسلامى كله، مشرقة ومغربه، ولم يفضل عصر أو مصر سواهما إلا ما يكون من بعض الفروق الهيّئة التى تفرضها طبائع الزمان والمكان، أما حركة العقل العربى من حيث هى فلم تخمد جذوتها، ولم تسكن حدّتها، بتغير الحكام أو تبدل الأيام، وإن أردت أن تعرف صدق ما أقول فانظر إلى ما اشتمل عليه القرنان السادس والسابع، من كبار المفكرين والعلماء، مع أن هذين القرنين قد شهدا أعنف هجوم تعرضت له الأمة الإسلامية: الحروب الصليبية والغزوة التترية، وقد كان هذا الهجوم الكاسح كفيلا بالقضاء على الأمة الإسلامية، لولا دفع الله وصيانته، بما أودعه فى روح العقيدة الإسلامية من عوامل النماء والبقاء والازدهار.