للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المجلس الثامن والسبعون

ذكر أقسام «إمّا» المكسورة و «أمّا» المفتوحة

فمن معانى المكسورة أنها تكون للشّكّ، كقولك: جاءنى إمّا زيد وإمّا جعفر، فأنت فى هذا القول متيقّن أنه جاءك أحدهما، وغير عالم به أيّهما هو، وكذلك: لقيت إمّا زيدا وإمّا جعفرا.

والثانى: أنها تكون للتخيير، كقولك لمن تخيّره فى مالك: خذ إمّا ثوبا وإمّا دينارا، ومثله قوله تعالى: {إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً} (١)، وقوله:

{إِمّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} (٢) وقوله: {إِمّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى} (٣)، /وقوله: {فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً} (٤) هذا كلّه تخيير، إنما هو هذا أو هذا، وانتصاب «منّا وفداء» على تقدير: فإمّا تمنّون منّا، وإمّا تفادون فداء.

والثالث: أن تكون للإباحة، كقولك: تعلّم إمّا الفقه وإمّا النّحو، فإن


(١) سورة الكهف ٨٦.
(٢) سورة التوبة ١٠٦، وجاء فى النّسخ الثلاث «فإما» بإقحام الفاء، خطأ. وقد وهمّ ابن هشام ابن الشجرى فى جعله «إما» فى هذه الآية للتخيير. قال الدّمامينىّ: «ولم يبيّن المصنّف وجه الوهم، وكأنه ما تقرّر من أنه لا بدّ من أن يكون حرف التخيير مسبوقا بطلب، وليس هنا طلب. ولابن الشجرىّ أن يمنع اشتراط ذلك، ويقول: المعنى بكونها للتخيير دخولها بين شيئين أو أشياء يكون للمتكلم أو للسامع الخيرة فى فعل ما شاء من الأمرين المذكورين». راجع دراسات لأسلوب القرآن الكريم ١/ ٣٣٩. والمغنى ص ٦٠ قلت: ابن الشجرىّ مسبوق فى ذلك بالهروىّ، فهو الذى عدّ الآية الكريمة من التخيير، فإن كان إيراد فعلى الهروىّ، راجع الأزهية ص ١٤٩، وابن الشجرىّ كثير الإناخة عليه، كما نبّهت كثيرا.
(٣) سورة طه ٦٥. وانظر دراسات لأسلوب القرآن الكريم ١/ ٣٤١.
(٤) الآية الرابعة من سورة محمد صلّى الله عليه وسلم.