الحقيقة، وقولك:«لزيد» هو المبتدأ فى المعنى. وقوله (١): «منى كنّ لى» مفيد، لأن فى ضمن الخبر ضمير المتكلم، وهو أعرف المعارف، ولو قال: منى كن لرجل، لم يحصل بذلك فائدة، لخلوه من اسم معروف. فاحتفظ بهذا الفصل فإنه أصل كبير».
... وبعد: فهذه أبرز آراء ابن الشجرى النحوية، كما ظهرت لى من استقراء كتابه «الأمالى»، ومن خلال نقول النحاة المتأخرين عنه، وأكرر ما قلته من قبل أن كتاب «الأمالى» زاخر بالآراء الغريبة العجيبة، وهى آراء تكاد تستغرق أبواب النحو والصرف كلها، على أنى لم أستبح لنفسى أن أنسب إلى ابن الشجرى منها، إلا ما صرّح هو به من نسبته إلى نفسه، أو صرح به النحاة المتأخرون.
وقد وقفت عند ابن الشجرى على ظاهرتين غلبتا على كتابه «الأمالى» ولم يكد يخلو منهما مجلس من مجالسه، وهما ظاهرة الإعراب، وظاهرة الحذوف، وقد رأيت أن أفرد كل ظاهرة منهما بكلمة، إذ كان جمهور مسائل النحو راجعا إليهما ومبنيّا عليهما، ثم لأن هاتين الظاهرتين قد ثار حولهما لغط كثير، وتناولهما بعض الدارسين بكثير من السهولة واليسر، دون مراجعة الأصول واستقراء الأسباب، والنفاذ إلى أسرار العربية فى علومها المختلفة.
[الظاهرة الإعرابية]
كادت كتب النحو الأولى تخلص لإرساء القواعد ووضع الأصول، وما جاء فيها من كلام فى الإعراب إنما جاء لترسيخ هذه القواعد، وإيضاح تلك الأصول، ولم تعرف ظاهرة التوسع فى الإعراب إلا من خلال كتب إعراب القرآن الكريم، وكتب القراءات، ولئن ضاعت بعض الأصول الأولى المصنّفة فى هذين الفنين، فإن القدر الذى بقى منهما كاف فى الدلالة على أن ظاهرة الإعراب إنما أخذت صورتها الحقيقية من خلال هذه الكتب، وحسبنا التمثيل بمعانى القرآن للفراء، وإعراب
(١) يشير إلى قول المتنبى: منى كن لى أن البياض خضاب فيخفى بتبييض القرون شباب