للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسألة أخرى]

/ قال سيبويه (١): وتقول: ما مررت بأحد يقول ذاك إلا عبد الله، وما رأيت أحدا يفعل ذاك إلا زيدا، هذا وجه (٢) الكلام، وإن حملته على الإضمار الذى فى الفعل فقلت: إلا زيد، فرفعت، فعربىّ، قال الشاعر (٣):

فى ليلة لا نرى بها أحدا ... يحكى علينا إلا كواكبها

وكذلك: ما أظنّ أحدا يقول ذاك إلا زيدا، وإن رفعت فجائز حسن، وإنما اختير النصب هاهنا؛ لأنهم أرادوا أن يجعلوا المستثنى بمنزلة المبدل منه، (٤) ولا يكون بدلا إلاّ من منفىّ، لأن (٥) المبدل منه منصوب منفىّ، ومضمره مرفوع، فأرادوا أن يجعلوا المستثنى بدلا من أحد، لأنه هو المنفىّ، وجعلوا «يقول ذاك» وصفا للمنفىّ، وقد تكلّموا بالآخر، لأن معناه معنى المنفىّ، إذ كان وصفا لمنفىّ. انتهى كلامه. ومعنى قوله: تكلّموا بالآخر، أى تكلّموا بالرفع فى المستثنى.

وأقول: إنّ إبدال المستثنى إنما يقع فيما كان غير واجب، نفيا أو نهيا، أو استفهاما، وذلك قولهم: ما خرج أحد إلا زيد، ولا تمرر بأحد إلا عبد الله، وهل لقيت أحدا إلا محمدا، فإن وصفت المستثنى منه بجملة من فعل وفاعل مضمر، كقولك: ما رأيت أحدا يقول ذاك، فحكم الصّفة حكم الموصوف، فى تناول


(١) الكتاب ٢/ ٣١٢،٣١٣، مع بعض اختلاف فى العبارة.
(٢) فى هـ‍: «أوجه» وأثبتّ الصواب من الأصل والكتاب، والخزانة ٣/ ٣٤٩، وسياقه يتفق مع سياق الأمالى، كأنه ينقل كلام سيبويه عن ابن الشجرى، ونبّه عليه شيخنا عبد السلام هارون، رحمه الله.
(٣) عدىّ بن زيد، وقيل: أحيحة بن الجلاح. راجع ملحقات ديوان عدىّ ص ١٩٤، وديوان أحيحة ص ٦٢، والأصول ١/ ٢٩٥، وشرح الجمل ٢/ ٢٥٥، وحواشى الكتاب والخزانة، وسيتكلم ابن الشجرى قريبا على نسبة البيت. ويروى «نرى» بالنون، و «ترى» بالتاء.
(٤) فى الكتاب: «وأن لا يكون» وما فى الأمالى مثله فى الخزانة.
(٥) فى الكتاب: «فالمبدل منه»، وما فى الأمالى مثله فى الخزانة.