للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

/الذى يمكن المأمور أن يفعله أو يتركه، ولكنه فعل واقع به من الله عز وجل.

واعلم أنّ من أصحاب المعانى من قال: إن صيغة الأمر مشتركة بين هذه المعانى، وهذا غير صحيح، لأن الذى يسبق إلى الفهم هو طلب الفعل، فدلّ على أن الطلب حقيقة فيها دون غيره، ولكنّها حملت على غير الأمر الواجب بدليل، والأمر الواجب هو الذى يستحقّ بتركه الذّمّ، كقوله تعالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اِرْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} (١) فذمّهم على ترك الركوع، بقوله: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} (١).

[فصل]

النهى: هو المنع من الفعل بقول مخصوص، مع علوّ الرّتبة، وصيغته: لا تفعل ولا يفعل فلان، فمن النهى للمواجه: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاّ بِالْحَقِّ} (٢) - {وَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ} (٣) ومنه قوله عليه السلام: «لا تباغضوا ولا تحاسدوا (٤)» ومن النهى للغائب: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (٥) - {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} (٦) فهذا كلّه يراد به التحريم.

وقد ترد هذه الصيغة والمراد بها التنزيه، كقوله تعالى: {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (٧) أى لا تتركوه، وليس ذلك بحتم، وكقول النبىّ صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده فى الإناء حتى يغسلها


(١) سورة المرسلات ٤٨،٤٩.
(٢) سورة الأنعام ١٥١، والإسراء ٣٣.
(٣) سورة القصص ٨٨.
(٤) صحيح البخارى (باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر. من كتاب الأدب) ٨/ ٢٣، وصحيح مسلم (باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر. من كتاب البرّ والصّلة والآداب) ص ١٩٨٣.
(٥) سورة آل عمران ٢٨.
(٦) سورة الحجرات ١٢.
(٧) سورة البقرة ٢٣٧.