للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن الشجرى (١): «وقول الزّجّاج أقيس من قول أبى على، لأنه نصب {هَنِيئاً} نصب المصدر، والمصدر قد استعملته العرب بدلا من الفعل، فى نحو:

سقيا له ورعيا، وجاء {هَنِيئاً} على قول الزجاج مفردا بعد لفظ الجمع فى قوله تعالى: {كُلُوا وَاِشْرَبُوا هَنِيئاً} لأنه وقع موقع المصدر، والمصدر يقع مفردا فى موضع التثنية وفى موضع الجمع، كقولك: ضربتهما ضربا، وقتلتهم قتلا، لأنه اسم جنس، بمنزلة العسل والبرّ والزيت، فلا يصح تثنيته وجمعه، إلا أن يتنوع».

وقد تعقب ابن الشجرى الزجاج، وأفسد ما ذهب إليه فى تأويل قوله تعالى:

{يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ}، وذلك أن ابن الشجرى حكى أقوال العلماء فى توجيه الآية الكريمة، ثم قال (٢): «قال الزجاج: ومثل (يدعو) قول عنترة:

يدعون عنتر والرماح كأنها ... أشطان بئر فى لبان الأدهم

أى يقولون: يا عنتر، وهذا القول فى تقدير الزجاج فاسد المعنى، وإنما كان يصح لو كانت اللام لام الجر، فقيل: يقول لمن ضره أقرب من نفعه هو مولاى، وفى التقدير الآخر يصح لو كان تقدير يدعو: يزعم، وهذا غير معروف، وذلك أن الزعم يتعدى إلى مفعولين، ويجوز تعليقه عنهما باللام المفتوحة، كقولك: زعمت لزيد منطلق، والمعنى فى تقدير الزجاج بعيد من الصواب، لأن المعنى فى تقديره:

يقول عابد الوثن: من ضرّه أقرب من نفعه هو مولاى، لا فرق فى المعنى بين إدخال اللام وإسقاطها، وكيف يقر عابد الوثن أن ضر الوثن أقرب إليه من نفعه، وهو يعبده ويزعم أنه مولاه؟ ولم يكن عبّاد الأوثان يزعمون أن عبادتها تضرهم، بل كانوا يقولون إنها تقربهم إلى الله، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ اِتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ} أى يقولون ما نعبدهم.

السّيرافىّ-أبو سعيد الحسن بن عبد الله

(٣٦٨ هـ‍)

نقل عنه ابن الشجرى نقلا عزيزا، لا تكاد تظفر به فى كتاب من كتب


(١) المجلس الخامس والعشرون.
(٢) المجلس الحادى والستون.

<<  <  ج: ص:  >  >>