للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مسألة]

قال أبو عليّ فى كتابه الذى سماه التذكرة: قيل لنا: علام عطف قول الله سبحانه وتعالى: {فَكَرِهْتُمُوهُ} من قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} (١).

فقلنا: المعنى: فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة واتّقوا الله، فقوله: {وَاِتَّقُوا اللهَ} عطف على قوله: «فاكرهوا» وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه، كقوله:

{اِضْرِبْ بِعَصاكَ/الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} (٢) أى فضرب فانفجرت، وقوله:

{فَكَرِهْتُمُوهُ} كلام مستأنف، وإنما دخلت الفاء لما فى الكلام من معنى الجواب؛ لأن قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ} كأنهم قالوا فى جوابه: لا، فقال: {فَكَرِهْتُمُوهُ} أى: فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة، فهو جواب لما يدلّ عليه الكلام، من قولهم: لا، فالفاء هاهنا بمنزلتها فى الجزاء، والمعنى على: فكما كرهتموه، وإن لم تكن «كما» مذكورة، كما أن قولهم: ما تأتينى فتحدّثنى، المعنى: ما تأتينى فكيف تحدّثنى؟ وإن لم تكن «كيف» مذكورة، وإنما هى مقدّرة.

والقول عندى (٣) أن الذى قدّره أبو عليّ هاهنا بعيد، لأنه قدّر المحذوف موصولا، وهو «ما» المصدريّة، وحذف الموصول وإبقاء صلته رديء ضعيف، ولو قدّر المحذوف مبتدأ كان جيّدا؛ لأنّ حذف المبتدأ كثير فى القرآن، والتقدير عندى:

فهذا كرهتموه، والجملة المقدّرة المحذوفة مبتدئيّة لا أمريّة، كما قدّرها،


(١) سورة الحجرات ١٢. وراجع المجلس الثالث والعشرين.
(٢) سورة البقرة ٦٠.
(٣) حكى هذا عن ابن الشجرىّ: بدر الدين الزركشى، فى البرهان ٣/ ١٩٦، وابن هشام فى المغنى ص ١٦٧، وحكم على ابن الشجرىّ بأنه لم يتأمل كلام الفارسىّ.