للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ومن هذه القصيدة]

كبّرت حول ديارهم لمّا بدت ... منها الشّموس وليس فيها المشرق (١)

ذكرت هذا البيت لأنهم أضربوا عن الكلام فيه صفحا، وفيه ما يقتضى أسئلة، أولها: كيف قال: بدت منها الشّموس، فذكر المشبّه به دون المشبّه، وأسقط أداة التشبيه؟ والثانى: كيف جمع الشمس وليس فى العالم إلا شمس واحدة، وهل فعل ذلك أحد من الشعراء القدماء قبله؟

والثالث: فى أىّ شيء شبّه هؤلاء الممدوحين بالشمس؟

والجواب أنه كان حقّ تشبيههم بالشمس أن يقال: رجال مثل الشمس، ولكنه جاء به على حذف المشبّه وإسقاط أداة التشبيه، ليجعل كلّ واحد منهم الشمس على الحقيقة، ثم جمع الشمس ليقابل جماعة بجماعة، وبالغ فيما أراده من المعنى بإخباره أنه كبّر الله سبحانه متعجّبا من طلوع شموس فى/غير جهة، المشرق، لأنّ ديارهم كانت فى جهة المغرب.

ومثل ذلك فى إسقاط المشبه وحرف التشبيه، قصدا لتحقيق الشّبه قولك:

لقيت فلانا فلقيت حاتما جودا، والنابغة شعرا، والأحنف حلما، وإياسا ذكاء، وعمرو بن العاص دهاء، وخالد بن صفوان بلاغة، ويحيى (٢) بن عبد الحميد كتابة.

فأمّا استجازة جمع الشمس فلاختلاف مطالعها ومغاربها، وازدياد حميها (٣) وانتقاصه، وتغيّر لونها فى الأصائل، ولذلك قالوا: شمس الشتاء، وشمس الصيف، وشمس الضّحى، وشمس الأصيل، فأضافوا إلى هذه الأشياء المتضادة، وليس شمس غيرها، ولذلك جاء فى التنزيل على الأصل: {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} (٤) أى مكان


(١) ديوانه ٢/ ٣٣٧، وأسرار البلاغة ص ٢٨١.
(٢) هكذا. والمعروف بالكتابة هو: عبد الحميد بن يحيى.
(٣) فى هـ‍: «جميعها»، وفى شرح الديوان-: «حرّها».
(٤) سورة الشعراء ٢٨، والمزمل ٩.