للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقال: طفئت النار وانطفأت (١)، مهموز، ولكنه أبدل من همزة تنطفئ ياء لانكسار ما قبلها، كما أبدل الفرزدق من المفتوح ما قبلها ألفا فى قوله (٢):

راحت بمسلمة البغال عشيّة ... فارعى فزارة لا هناك المرتع

وهذا لا يسمّى تخفيفا (٣)، وإنما هو إبدال لا يجوز إلاّ فى الشّعر، والتخفيف الذى يقتضيه القياس فى هذا النحو أن تجعل الهمزة فيه بين بين.

وأمّا «ما» من قوله: «ما تنطفى» فمصدريّة، والضمير الذى فى «تحرق» / عائد على «نار الهوى»، وقوله: «عمّا تحرق» متعلّق «بتكلّ» ومعمول «تنطفى» محذوف، وذلك اختيار البصريين فى إعمال (٤) الفعلين، كقولك: رضيت وصفحت عن زيد [أردت: رضيت عن زيد وصفحت عن زيد (٥)] فحذفت معمول الأول لدلالة معمول الثاني عليه، وحجّتهم أن الثانى أقرب إلى المعمول، فإن استعملت الاختيار الكوفيّ فعلّقت (٦) الجارّ بالأول، فلأنه الأسبق فى الذّكر، فهذا أحد المحذوفات من البيت.

والمحذوف الثانى: العائد إلى «ما» الثانية من صلتها، وفيه حذفان آخران، لأن تقدير معنى البيت: جرّبت من قوّة نار الهوى انطفاء نار [الغضا (٧)] وكلولها عن إحراق ما تحرقه نار الهوى، لا بدّ من تقدير هذين المضافين، القوّة والإحراق؛ لأن المعنى يقتضيهما، وإنما خصّ الغضا، لأن ناره أشدّ النّيران وأبقاها.


(١) هذه عن الزجاجى، حكاها فى كتابه الجمل، كما فى اللسان (طفأ). وهى فى الجمل ص ٢٩٧.
(٢) ديوانه ص ٥٠٨، وضرورة الشعر ص ١٣٨، وتخريجه فى كتاب الشعر ص ١٤٥، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس الثالث والسّتين.
(٣) هذا كلام ابن جنى. راجع المحتسب ٢/ ١٧٣.
(٤) فى شرح ديوان المتنبى-وهو ينقل عن الأمالى- «فى إعمال ثانى الفعلين».
(٥) سقط من هـ‍، ومن شرح الديوان.
(٦) فى الأصل: «علقت. . . لأنه».
(٧) سقط من هـ‍.