للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والثانى: أنهم لما اضطرّهم إتمام الوزن إلى تحريك المجزوم والموقوف، لا لساكن لقيه، بل لينشأ عن حركته حرف مدّ يتمّ به الوزن، حرّكوه بالحركة/المألوفة فيه إذا لقيه ساكن، فكسروه فنشأت عن الكسرة الياء.

فإذا ثبت بما ذكرته أن الكسر هو الأصل فى حركة التقاء الساكنين، فإنهم قد ينصرفون عن هذا الحكم لعلّة تحسّن الانصراف عنه.

وذلك على أوجه عدّة، أحدها: أن يكون للحرف مزيّة على الحرف، فيحرّك بأقوى الحركات، كتحريك الواو التى هى اسم، فى نحو {وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} (١) بالضمّ، وتحريك الواو التى هى حرف، فى نحو {لَوِ اِسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ} (٢) بالكسر، وذلك لفضل الاسم على الحرف، وفضل الضمّ على الكسر، من حيث كان الاعتماد فى إبراز الضمّة على عضوين ظاهرين (٣).

والثانى: أن يكون الضمّ إتباعا لضمّة متقدّمة، أو لضمّة متأخّرة، فالمتقدمة كضمّة ميم مدّ، وشين شدّ يا هذا، الأصل: امدد، واشدد، فآثر بعضهم الإدغام، فألقى ضمّة الدال الأولى على الساكن الذى قبلها، فالتقت الدالان ساكنتين فى التقدير، فحرّكوا الآخرة بالضمّ إتباعا، وحذفوا همزة الوصل، استغناء عنها بحركة الحرف الذى اجتلبوها لأجله، وهو ساكن.


(١) سورة البقرة ٢٣٧.
(٢) سورة التوبة ٤٢، وراجع الكتاب ٤/ ١٥٥، والأصول ٢/ ٣٧٠، والبحر ٢/ ٢٣٨،٥/ ٤٦.
(٣) يريد ضمّ الشفتين. قال ابن سينا: «وأما الواو المصوّتة وأختها الضمة فأظنّ أن مخرجهما مع إطلاق الهواء، مع أدنى تضييق للمخرج وميل به سلس إلى فوق». وقال مرّة أخرى: «والواوان [يريد الواو الكبرى التى هى الحرف، والواو الصغرى التى هى الضمة] مخرجهما مع أدنى مزاحمة وتضييق للشفتين واعتماد فى الإخراج على ما يلى فوق اعتمادا يسيرا». أسباب حدوث الحرف ص ٨٤،١٢٦. ويقول الأستاذ الدكتور إبراهيم أنيس، فى الموازنة بين الضم والكسر: «. . . نجد أن الضمة هى التى تحتاج إلى جهد عضوىّ أكثر؛ لأنها تتكون بتحرك أقصى اللسان، فى حين أن الكسرة تتكوّن بتحرّك أدنى اللسان، وتحرّك أدنى اللسان أيسر من تحرّك أقصاه». اللهجات العربية ص ٩٦، وانظر أيضا كتابه الأصوات اللغوية ص ٣٢، ٣٣. وراجع المقتضب ١/ ١٨٤، وحواشيه. وشرح المفصل ٩/ ١٢٨.