للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وصفها بالسّجود الذى لا يكون إلاّ لما يعقل، أجراها مجرى ما يعقل، وكذلك القول فى قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّمْلُ اُدْخُلُوا مَساكِنَكُمْ} (١) لمّا جرى الخطاب لها مجرى خطاب ما يعقل، أجريت مجرى ما يعقل

ذكر هذا أبو سعيد فى شرح كتاب سيبويه.

وأقول: إنه وهم فى هذا القول؛ لأن مالا يعقل بمنزلة الأناسىّ فى وصفهم بالأكل، كقولنا: أكلت السّنّور الفأرة، وأكل السّبع الشاة، فلا يجوز أن تقول:

أكلوهم السّباع، كما تقول: القوم أكلوا الطّعام.

والوجه عندى أن يحمل قولهم: أكلونى البراغيث، على غير الأكل الحقيقىّ، ولكن (٢) نحمله على الأكل الذى يراد به التعدّى والظّلم، كقولهم: أكل فلان جاره، إذا تعدّى عليه، وعلى ذلك قول علّفة بن عقيل بن علّفة لأبيه:

أكلت بنيك أكل الضّبّ حتّى ... وجدت مرارة الكلأ الوبيل (٣)

وهذا المعنى لا يكون إلاّ من ذوى العقل، فلمّا وصفوا به البراغيث أجروها مجرى العقلاء؛ لأنه قد جرى مجرى السّجود الذى لا يكون إلا من العقلاء.

وقول علّفة لأبيه: «أكل الضّبّ» معناه مثل أكل الضّبّ أولاده، لأن الضّباب تأكل أولادها إلاّ القليل، فجعل تعدّيه على بنيه وظلمه لهم كأكل الضّبّ ولده، مبالغة فى وصفه بالبغى عليهم، والظّلم لهم.

...


(١) سورة النمل ١٨.
(٢) هذا الاستدراك قلق، ولا ينسجم مع ما قبله. ولعلّ صواب الكلام: «والوجه عندى أن لا يحمل قولهم: أكلوني البراغيث، على الأكل الحقيقىّ، ولكن نحمله. . .». ويؤنس بذلك ما تقدّم فى المجلس الموفى العشرين.
(٣) فرغت منه فى المجلس المذكور قريبا.