للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فى الآية إيذان بأنّ حقّها الوقوع فى أوّل الكلام، وسوّغ ذلك أنها لمجرّد التوكيد، فاللفظ بها يفيد التوكيد، تقدّمت أو تأخرت، وليست بعاملة كعلى، في قول الراجز:

إنّ الكريم وأبيك يعتمل ... إن لم يجد يوما على من يتّكل (١)

أراد: من يتّكل عليه، وهذا تقديم قبيح، سوّغته الضّرورة (٢)، وقد اعترض على هذا القول بأن اللام فى صلة «من» فتقديمها على الموصول غير جائز.

/والجواب عن هذا الاعتراض: أنها حرف لا يفيد إلاّ التوكيد، وليست بعاملة كمن المؤكّدة، فى نحو: ما جاءني من أحد، فدخولها وخروجها سواء، فلذلك جاز تقديمها.

ويمكن أن لا تكون «من» هاهنا موصولة، بل تكون نكرة، فى معنى شيء، مثلها فى قول سويد بن أبى كاهل:

ربّ من أنضجت غيظا صدره ... قد تمنّى لى موتا لم يطع (٣)

أراد ربّ إنسان، وكذلك هى فى قول كعب بن مالك الأنصاريّ (٤):


(١) الكتاب ٣/ ٨١، والبصريات ص ٥٩٢، والعسكريات ص ١٩٠، والخصائص ٢/ ٣٠٥، والمحتسب ١/ ٢٨١، ومجالس العلماء ص ٨٢، والارتشاف ٢/ ٤٥٤، والمغنى ص ١٤٤، وشرح أبياته ٣/ ٢٤١، والخزانة ١٠/ ١٤٣، وغير ذلك كثير. وقوله: «يعتمل» أى يعمل لنفسه ويحترف لإقامة عيشه.
(٢) قال البغدادى معقّبا على تخريج ابن الشجرى: «وهذا تعسّف، إذ لم يعهد تقديم الجارّ على غير المجرور، كما لم يعهد تقديم الجازم على غير المجزوم، وإنما المعهود تقديمهما معا».
(٣) من قصيدته العالية الشريفة التى مطلعها: بسطت رابعة الحبل لنا فوصلنا الحبل منها ما اتّسع المفضليات ص ١٩٨. وسيعيد ابن الشجرى البيت الشاهد فى المجلس الثالث والثمانين. وانظر معجم الشواهد ص ٢٠٨.
(٤) ديوانه رضى الله عنه، ص ٢٨٩، وهو بيت مفرد فيه، ونسبه ابن الشجرى فى المجلسين: الرابع والسبعين، والثالث والثمانين إلى حسّان رضى الله عنه، وهو بيت مفرد فى زيادات ديوانه ص ٥١٥، -