للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضميرا يعود على النوم، فى قولنا: عجبت مما نام زيد، ويجوز أن نبرز هذا الضمير فنقول: عجبت مما ضحكته، ومما نامه زيد، فهذا قد أفسده النحويون بقول الله تعالى: {وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ} فى قراءة من ضم ياءه وشدّد ذاله، وقالوا: لا يخلو الضمير المحذوف من قوله {يَكْذِبُونَ} أن يعود على القرآن، أو على النبى، أو على المصدر الذى هو التكذيب، فإن أعدناه إلى القرآن أو النبى، فقد استحقوا بذلك العذاب، وإن أعدناه إلى التكذيب لم يستحقوا العذاب، لأنهم إذا كذبوا التكذيب بالقرآن وبالنبى كانوا بذلك مؤمنين، فكيف يكون لهم عذاب أليم بتكذيب التكذيب»؟.

وقد تعقب ابن هشام ابن الشجرى فيما حكاه من إفساد قول الأخفش، قال (١): «وقال ابن الشجرى: أفسد النحويون تقدير الأخفش بقوله تعالى:

{وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ} فقالوا: إن كان الضمير المحذوف للنبى عليه السلام أو للقرآن، صحّ المعنى وخلت الصلة عن عائد، أو للتكذيب فسد المعنى، لأنهم إذا كذّبوا التكذيب بالقرآن أو النبى كانوا مؤمنين اه‍ وهذا سهو منه ومنهم، لأن كذبوا ليس واقعا على التكذيب، بل مؤكد به، لأنه مفعول مطلق، لا مفعول به، والمفعول به محذوف أيضا، أى بما كانوا يكذبون النبى أو القرآن تكذيبا، ونظيره: {وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً}.

وقد انتصر ابن الشجرى لسيبويه فى المسألة الزنبوريّة الشهيرة التى جرت بينه وبين الكسائى، ثم انتصر له أيضا فى مواضع أخرى من الأمالى (٢).

وكما نسب ابن الشجرى إلى سيبويه إنشاد شاهد من الشواهد، لم أجده فى المطبوع من الكتاب-ورجعت هذا إلى اختلاف نسخ كتاب سيبويه-كذلك حكى عنه أقوالا لم أجدها فى الكتاب، فمن ذلك: ما حكاه فى معنى «أو»، قال (٣): واختلفوا فى قوله: {وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} فقال بعض


(١) المغنى ص ٣٣٨.
(٢) انظر المجلسين السابع والعشرين، والحادى والثلاثين، والفقرتين السابعة عشرة والثانية والعشرين من آراء ابن الشجرى، ثم ما كتبته عن الحذوف.
(٣) المجلس الخامس والسبعون، وانظر أيضا المجلس الأول فى الكلام على حذف العائد.

<<  <  ج: ص:  >  >>