للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم أن وقوع «ما» بعد «ربّ» على ثلاثة أوجه، أحدها: أن تكون كافّة، زيدت ليصلح وقوع الفعل والمعرفة بعدها، وقد بيّنّا هذا.

والثانى: أنها تكون بعد «ربّ» بمعنى شيء، وقد قدّمت الاستشهاد على ذلك، بقوله:

ربّما تكره النّفوس من الأمر

أراد: ربّ شيء تكرهه النفوس.

والثالث: وقوعها بعدها زائدة لغوا، فلا تمنعها من العمل، كقولك: ربّما رجل عالم لقيته، قال عدىّ بن الرّعلاء الغسّانىّ:

ربّما ضربة بسيف صقيل ... دون بصرى وطعنة نجلاء (١)

وقد كفّوا «من» بما، فقالوا: إنى لممّا أفعل، قال أبو العباس المبرّد:

يريدون: لربّما أفعل (٢)، وأنشد لأبى حيّة النّميرىّ (٣):


(١) الأصمعيات ص ١٥٢، والأزهية ص ٨٠،٩٣، والحماسة الشجرية ص ١٩٤، وإيضاح شواهد الإيضاح ص ٣٠٧، وأوضح المسالك ٣/ ٦٥، والمغنى ص ١٣٧،٣١٢، وشرح أبياته ٣/ ١٩٧، ٤/ ٢٣ (أحكام بين) وشرح الجمل ١/ ٢٦٠، والخزانة ٩/ ٥٨٢، وغير ذلك كثير. والطعنة النجلاء: الواسعة البيّنة الاتّساع. من قولهم: عين نجلاء: أى واسعة، وجرّها بالكسرة للضرورة.
(٢) المقتضب ٤/ ١٧٤، وأصل كلام المبرد عند سيبويه ٣/ ١٥٦، وذكر الشيخ عضيمة رحمه الله فى حواشى المقتضب: أنه يبدو أن ابن الشجرى لم يقف على كلام سيبويه.
(٣) شعره ص ١٤٤، وراجع الموضع السابق من الكتاب والمقتضب، والحلبيات ص ٢٠٠، والشعر ص ٣٩٢، وحواشيه. وأنشد ابن هشام البيت شاهدا على كفّ «من» بما، ثم قال: «قاله ابن الشجرىّ، والظاهر أن «ما» مصدريّة، وأن المعنى مثله فى خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ وقوله: ألا أصبحت أسماء جاذمة الحبل وضنّت علينا والضّنين من البخل فجعل الإنسان والبخيل مخلوقين من العجل والبخل مبالغة» المغنى ص ٣١١. وهذا الشاهد تقدّم عندنا فى المجلس الحادى عشر.