للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأمّا من قال: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} بالنصب، ففيه وجهان، أحدهما. أنه أضمر الفاعل فى الفعل، ودلّ عليه ما تقدّم من قوله: {وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ} (١) ألا ترى أنّ هذا الكلام فيه دلالة على التقاطع والتهاجر، وذلك المضمر هو الوصل كأنه قال: لقد تقطّع وصلكم بينكم، وحكى/سيبويه أنهم قالوا: «إذا كان غدا فأتنى» (٢) فأضمر ما كانوا فيه من رخاء أو بلاء، لدلالة الحال عليه، وصارت دلالة الحال بمنزلة جرى الذّكر.

والمذهب الآخر: أن انتصاب البين من قوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} على شيء رآه أبو الحسن، وهو أنه كان يذهب إلى أن قوله: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} إذا نصب يكون معناه معنى المرفوع؛ لأنه لمّا جرى فى كلامهم منصوبا ظرفا، وكثر استعماله، تركوه على ما يكون عليه فى أكثر الكلام، وكذلك قال فى قوله: {يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} (٣) وكذلك قال فى قوله: {وَأَنّا مِنَّا الصّالِحُونَ وَمِنّا دُونَ ذلِكَ} (٤) فدون فى موضع رفع عنده، وإن كان منصوب اللفظ، ألا ترى أنك تقول: منّا الصالح ومنّا الطالح. انتهى كلامه.

وقال أبو إسحاق الزجّاج: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}: «الرفع أجود، ومعناه:

لقد تقطّع وصلكم، والنصب جائز، والمعنى: لقد تقطّع ما كنتم فيه من الشّركة بينكم» (٥) وإنما قال: ما كنتم فيه من الشّركة، لقول الله تعالى: {وَما نَرى مَعَكُمْ}


(١) سورة الأنعام ٩٤.
(٢) تقدّم تخريجه فى المجلس الثالث عشر.
(٣) الآية الثالثة من سورة الممتحنة. ويَفْصِلُ على مذهب الأخفش تتلى بضمّ الياء وسكون الفاء وتخفيف الصاد مفتوحة، على البناء للمفعول، وبَيْنَكُمْ على هذا منصوب اللفظ مرفوع المعنى، نائب فاعل. وهذه قراءة ابن كثير ونافع وأبى عمرو. وتخريجها فى كتاب الشعر ص ٣٠٦،٤٣٢.
(٤) سورة الجنّ ١١، والحديث عنها فى الموضع الأول من كتاب الشعر.
(٥) معانى القرآن ٢/ ٢٧٣.