للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتّى كثر ذلك فى الاستعمال، تقول: أكرم أيّهم أفضل، ولا يحسن: أكرم من أفضل، حتى تقول: من هو أفضل، ولا تقول: كل ما أطيب، حتى تقول: ما هو أطيب، ولا يحسن: أكرم الذى أفضل، وإن كان قد قرئ فى الشّذوذ: {تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} (١).

وفى قوله تعالى: {الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} (٢) قولان: أحدهما: أن يكون {أَيُّهُمْ} مبتدأ، و {أَقْرَبُ} خبره، والمعنى: يبتغون الوسيلة إلى ربّهم، ينظرون أيّهم أقرب فيتوسّلون به.

والثانى: أن يكون {أَيُّهُمْ} اسما موصولا، والمبتدأ محذوف من صلته، وهو بدل من الواو التى فى {يَبْتَغُونَ} فالتقدير بإيقاعه موقع الواو: يبتغى إلى ربّهم الوسيلة الذى هو أقرب، أو الذين هم أقرب، فالضمّة فى {أَيُّهُمْ} إعراب، إلاّ على مذهب سيبويه، والذى ذهب إليه من بناء «أيّ» إذا حذف المبتدأ من صلتها، رواه عن العرب باجتماع شرطين، أحدهما: اختصاص ذلك بحال الإضافة، فإن نوّنوها أعربوها، فقالوا: لقيت أيّا أفضل.

والثانى: أنهم لا يبنونها إذا كان العامل فيها جارّا، بل يقولون: مررت بأيّهم أفضل. هذا قول بعض النحويّين الأوائل، وخصّ سيبويه بالجارّ الباء دون غيرها.

ومن العرب من يعربها فى كلّ أحوالها، يحملونها على القياس، فيقولون:

كلّم/أيّهم أفضل، يعملون فيها الناصب، ويرفعون الاسم بعدها، على أنه خبر مبتدأ محذوف.

قال سيبويه: وهى لغة جيّدة، نصبوها كما جرّوها، وعلى هذه اللغة قرأ هارون الأعور {ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ}.


(١) سورة الأنعام ١٥٤، وفرغت من تخريج هذه القراءة فى المجلس الحادى عشر.
(٢) سورة الإسراء ٥٧.