للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقوله: {وَاِتَّقُوا اللهَ} عطف على قوله: فاكرهوا، وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه، كقوله: {اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} أى فضرب فانفجرت، وقوله:

{فَكَرِهْتُمُوهُ} كلام مستأنف، وإنما دخلت الفاء، لما فى الكلام من معنى الجواب، لأن قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ} كأنهم قالوا فى جوابه:

لا، فقال: {فَكَرِهْتُمُوهُ}، أى فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة، فهو جواب لما يدلّ عليه الكلام، من قولهم: «لا»، فالفاء هاهنا بمنزلتها فى الجزاء، والمعنى على:

فكما كرهتموه، وإن لم تكن «كما» مذكورة، كما أن قولهم: ما تأتينى فتحدثنى، المعنى: ما تأتينى فكيف تحدثنى، وإن لم تكن «كيف» مذكورة، وإنما هى مقدرة».

قال ابن الشجرى: والقول عندى أن الذى قدّره أبو على هاهنا بعيد، لأنه قدّر المحذوف موصولا، وهو «ما» المصدرية، وحذف الموصول وإبقاء صلته رديء ضعيف، ولو قدر المحذوف مبتدأ، كان جيدا، لأن حذف المبتدأ كثير فى القرآن والتقدير عندى: فهذا كرهتموه، والجملة المقدرة المحذوفة مبتدئية، لا أمرية، كما قدّرها، فكأنه قيل: فهذا كرهتموه، والغيبة مثله، وإنما قدّرها أمريّة ليعطف عليها الجملة الأمرية، التى هى: {وَاِتَّقُوا اللهَ}، ولا حاجة بالكلام إلى تقدير جملة أمرية لتعطف عليها الجملة الأمرية، لأن قوله: {وَاِتَّقُوا اللهَ} عطف على الجملة النهيية التى هى قوله: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً}، وعطف الجملة على جملة مذكورة أولى من عطفها على جملة مقدرة، والإشارة فى المبتدأ الذى قدرته، وهو «هذا» موجهة إلى الأكل الذى وصفه الله، كأنه لما قدّر أنهم قالوا: لا، فى جواب قوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً} قيل: فهذا كرهتموه، أى: فأكل لحم الأخ الميت كرهتموه، والغيبة مثله. فتأمل ما ذكرته تجده أصوب الكلامين.

وقد ذكر أبو على هذه المسألة فى «الحجة» أيضا». انتهى كلام ابن الشجرى، وقد حكاه الزركشىّ (١). ثم حكى ابن هشام كلا التقديرين وقال (٢):

«وبعد فعندى أن ابن الشجرى لم يتأمل كلام الفارسىّ، فإنه قال: «كأنهم قالوا فى الجواب: «لا» فقيل لهم: فكرهتموه فاكرهوا الغيبة واتقوا الله، فاتقوا عطف على


(١) البرهان ٣/ ١٩٦.
(٢) المغنى ص ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>