للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتبعه فى ذلك أبو تمّام فقال:

ما زال يهذر بالمكارم والنّدى ... حتى ظننّا أنه محموم (١)

الهذر: الهذيان، يقال: رجل مهذار.

فعلى هذا المنوال نسج أبو الطيّب بيته، فأراد أنه يفرط فى الجود حتى ينسبه الناس إلى الجنون، ولو كان بيت المال ممّا يصحّ منه الكلام لقال: ماذا مسلما؛ لأنه فرّق أموال المسلمين، ويجوز أن يكون أراد: ويقول خزّان بيت المال، فحذف المضاف، كما حذف فى قوله تعالى: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} (٢).

والأصل فى هذا قول أعرابىّ، فيما أنشده الجاحظ فى كتاب الحيوان (٣):

حمراء تامكة السّنام كأنّها ... جمل بهودج أهله مظعون

جادت بها عند الوداع يمينه ... كلتا يدى عمر الغداة يمين

ما كان يعطى مثلها فى مثله ... إلاّ كريم الخيم أو مجنون

الخيم: السّجيّة. والهاء فى «مثله» تعود على الوداع، أى فى مثل ذلك الوقت.

... من العرب من يذكّر السّماء، وفى تذكيرها وجهان: أحدهما أنها جمع سماوة، كسحاب وسحابة، ونخل ونخلة. وهذا الضّرب من الجمع قد ورد فيه التذكير والتأنيث، فالتذكير فى قوله تعالى: {وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ} (٤) و {أَعْجازُ نَخْلٍ}


(١) ديوانه ٣/ ٢٩١، يمدح محمد بن الهيثم بن شبانة. ورواية الديوان: «يهذى». وانظر أخبار أبى تمام ص ٣٢.
(٢) سورة يوسف ٨٢.
(٣) ٣/ ١٠٧،٦/ ٢٤٥، من غير نسبة. والأبيات تنسب إلى يزيد بن الطثرية. انظر شعره ص ٩٣، وإلى عبيد بن أيوب العنبرى، انظر شعره ضمن أشعار اللصوص ص ١٦١. و «عمر» هنا: هو عمر بن ليث، أحد بنى جحش بن كعب بن عميرة ابن خفاف. راجع حواشى الوحشيات ص ٢٦٨، وفيها نسبة الأبيات لثالث.
(٤) سورة البقرة ١٦٤.