للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكروا لهذا الحرف معنى خامسا، فقالوا: إنه بمعنى «إمّا» فى قول النّمر ابن تولب (١):

سقته الرّواعد من صيّف ... وإن من خريف فلن يعدما

قال سيبويه (٢): أراد: وإمّا من خريف، وحذف «ما» لضرورة الشّعر، وإنما يصف وعلا، وقبل هذا البيت:

فلو أنّ من حتفه ناجيا ... لكان هو الصّدع الأعصما

والمعنى: سقته الرّواعد من مطر الصيف، وإمّا فى الخريف فلن يعدم السّقى.

وقال الأصمعىّ: «إن» هاهنا للشّرط، أراد: وإن سقته من خريف فلن يعدم الرّىّ. وبقول الأصمعىّ أخذ أبو العباس المبرّد (٣)؛ لأنّ «إمّا» تكون مكرّرة، وهى هاهنا غير مكرّرة، واحتجّ من قال بقول سيبويه أنه وصفه بالخصب، وأنه لا يعدم الرّىّ، ويجب فى قول الأصمعىّ أن لا يقطع له بالرّىّ؛ لأنه إذا كانت «إن» للشّرط لم يقطع له بأنّ الخريف يسقيه، كما تقول: إن حضر زيد أكرمته، فلا يقطع له بالحضور، كما يقطع له به فى قولك: إذا حضر زيد أكرمته، ولذلك تقول: أسافر إذا جاء الصّيف، ولا تقول: أسافر إن جاء الصيف؛ لأن الصيف لا بدّ من مجيئه، فكأنه قال: وإن سقاه الخريف فلن يعدم الرّىّ، فدلّ هذا على أنه يعدم الرّىّ إن لم يسقه الخريف.

وقول الأصمعىّ قوىّ من وجهين، أحدهما أنّ «إمّا» لا تستعمل


(١) رضى الله عنه، والبيت فى ديوانه ص ١٠٤، وتخريجه فيه، وفى كتاب الشعر ص ٨٥، والأزهية ص ٤٧.
(٢) الكتاب ١/ ٢٦٧،٣/ ١٤١.
(٣) راجع حواشى المقتضب ٣/ ٢٨.