للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبطله به مكّىّ، فقال فى كتابه الذى ضمّنه معانى القرآن: قال الكسائىّ:

ترفع {الصّابِئُونَ} على إتباعه الاسم الذى فى {هادُوا} وتجعله من قوله: {إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ} أى تبنا، ولا تجعله من اليهوديّة.

قال الفرّاء: وجاء التفسير بغير ذلك؛ لأنه أراد بقوله: {الَّذِينَ آمَنُوا}:

الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، ثم ذكر اليهود والنصارى والصابئين، فقال: {مَنْ آمَنَ} منهم فله كذا وكذا، فجعلهم منافقين ويهودا ونصارى وصابئين. انتهى كلام الفرّاء (١).

يعنى أنه إذا صار معنى {هادُوا}: تابوا هم والصابئون، بطل ذكر اليهود فى الآية. وأمّا الوجه الذى أبطل به مكّىّ قول الكسائىّ وعزاه إلى الفرّاء، فقوله:

وقد قال الفرّاء فى {الصّابِئُونَ}: هو عطف على المضمر فى {هادُوا}، قال:

وهذا غلط؛ لأنه يوجب أن يكون الصابئون والنصارى يهودا، وأيضا فإنّ العطف على المضمر المرفوع قبل أن يؤكّد أو يفصل بينهما بما يقوم مقام التوكيد، قبيح عند بعض النحويّين.

ثم ذكر وجوها فى رفع الصابئين. وأقول: إنك إذا عطفت على اسم «إنّ» قبل الخبر، لم يجز فى المعطوف إلاّ النّصب، نحو إنّ زيدا وعمرا منطلقان، ولا يجوز أن ترفع المعطوف حملا على موضع إنّ واسمها؛ لأنّ موضعهما رفع بالابتداء، فتقول: إنّ زيدا وعمرو منطلقان؛ لأن قولك: عمرو رفع بالابتداء، ومنطلقان خبر عنه وعن اسم إنّ، فقد أعملت فى الخبر عاملين: الابتداء وإنّ، وغير جائز أن يعمل فى اسم عاملان، وإن لم تثنّ الخبر فقلت: إنّ زيدا وعمرو منطلق، ففى ذلك قولان: أحدهما أن يكون خبر إنّ محذوفا، دلّ عليه الخبر المذكور، فالتقدير: إنّ


(١) معانى القرآن ١/ ٣١٢، مع شيء من الاختلاف.