للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويتّجه عندى نصب «المنون» على أن تجعلها مفعولا لرأيت، «وعرّين» فى موضع المفعول الثانى، وتجعل «من» مبتدأ، و «رأيت» ومفعوليها خبرا عنه، والعائد إلى المبتدأ الهاء المحذوفة التى هى مفعول «عرّين» وجاز (١) وجاز حذف العائد إلى المبتدأ من الجملة المخبر بها عنه، على قولك: زيد ضربت، وقول امرئ القيس (٢):

فلمّا دنوت تسدّيتها ... فثوب نسيت وثوب أجرّ

وقولهم: «شهر ثرى وشهر ترى وشهر مرعى (٣)» أى شهر ترى فيه العشب.

فكأنك قلت: أىّ إنسان علمت النساء أكرمن؟ أردت أكرمنه، فحذفت.

ومواضع حذف العائد ثلاثة: الصّلة والصّفة والخبر، وحذفه من الصّلة أقيس من حذفه من الصّلة، وحذفه من الصّفة أقيس من حذفه من الخبر، وإنما استحسنوا حذفه من الصّلة حتى اتّسع ذلك فى القرآن اتساع الإثبات، لئلاّ يكون اسم من أربعة (٤) أشياء، فحذفه من «الذى» مثل: {لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} (٥) وإثباته مثل: {وَاُتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا} (٦) وحذفه من «من» مثل:


(١) فى هـ‍: وجاء.
(٢) ديوانه ص ١٥٩، وروايته: «فثوبا نسيت وثوبا أجر» بالنصب. وأعاده ابن الشجرى برواية الرفع أيضا فى المجلس المتمّ الأربعين. وانظر الكتاب ١/ ٨٦، والخزانة ١/ ٣٧٣، وحواشيهما.
(٣) يروى هذا عن رؤبة. انظر الكتاب، الموضع المذكور، والنبات للأصمعى ص ٣٠، وأدب الكاتب ص ٩٦، ونتائج الفكر ص ٤٣٧، ومجمع الأمثال ١/ ٣٧٠، والبسيط ص ٥٣٨،٥٦٦، وأعاده ابن الشجرى فى المجلس المذكور. ومعنى هذا القول أن المطر إذا وقع الأول منه فبلّ الأرض، تمكث الأرض ترابا رطبا، فهو قوله: «ثرى»، ثم تنبت فيرى النبات، فهو قوله «ترى» ثم يكون فى الشهر الثالث مرعى. وهذا قول الأصمعى. وقال الميدانى: «وإنما حذف التنوين من ثرّى ومرعى فى المثل لمتابعة «ترى» الذى هو الفعل».
(٤) هكذا قال: «أربعة» والأولى «ثلاثة»؛ لأنهم قالوا إن الموصول وصلته والعائد من الصلة إلى الموصول، هذه الأشياء الثلاثة فى قوّة كلمة واحدة، استطالوها فاستساغوا الحذف فيها. ولعلّ ابن الشجرى يعتبر الصلة اثنين، من حيث إنها تتكون من جملة: مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل. وراجع حواشى الشيخ محمد محيى الدين عبد الحميد، رحمه الله، على أوضح المسالك ١/ ١٦٦. وابن الشجرى متابع فى ذلك المبرّد، وقد نبهت عليه فى المجلس الأول.
(٥) سورة التوبة ١١٠.
(٦) سورة الأعراف ١٧٥.