للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما يجرى على أحدهما (١)، ألا ترى أن كلّ واحدة من العينين لا تكاد تنفرد بالرؤية دون الأخرى، فاشتراكهما فى النظر كاشتراك الأذنين فى السّمع، والقدمين فى السّعى، ويجوز أن يعبّر عنهما بواحدة، يقال: رأيته بعينى، وسمعته بأذنى، وما سعت فى ذاك قدمى، كما قال:

خدلّج السّاقين خفّاق القدم (٢)

فإن قلت: بعينىّ وبأذنىّ وقدمىّ، فثنّيت فهو حقّ الكلام، والأول أخفّ وأكثر استعمالا.

ولك فى هذا الباب (٣) أربعة أوجه من الاستعمال، أحدها: أن تستعمل الحقيقة فى الخبر والمخبر عنه، وذلك قولك: عيناى رأتاه، وأذناى سمعتاه، وقدماى سعتا فيه، والثانى: أن تعبّر عن العضوين بواحد، وتفرد الخبر حملا على اللفظ، تقول: عينى رأته، وأذنى سمعته، وقدمى سعت فيه، وإنما استعملوا الإفراد فى هذا تخفيفا، وللعلم بما يريدون، فاللفظ على الإفراد، والمعنى على التثنية.

فلو قيل على هذا: «وعينى فى روض من الحسن ترتع» كان جيّدا.

والثالث: أن تثنّى العضو، وتفرد الخبر، لأن حكم العينين أو الأذنين أو القدمين حكم واحدة، لاشتراكهما فى الفعل، فتقول: أذناى سمعته، وعيناى رأته، وقدماى سعت فيه، كما قال: وعيناى فى روض من الحسن ترتع، ومنه قول سلمىّ ابن ربيعة السّيدىّ:


(١) يقول أبو على المرزوقى: متى اجتمع شيئان فى أمر لا يفترقان فيه اجتزئ بذكر أحدهما عن الآخر. شرح الحماسة ص ٥٤٧.
(٢) من رجز لرشيد بن رميض العنبرى، وينسب لغيره. الأغانى ١٥/ ٢٥٤، واللسان (حطم). وإنشاد الحجاج لهذا الرجز ذائع الصّيت، دائر فى كتب اللغة والأدب والتاريخ. انظر البيان والتبيين ٢/ ٣٠٨، والكامل ص ٤٩٩، والعقد الفريد ٤/ ١٢٠،٥/ ١٧، ومعجم الشواهد ص ٥٢٨.
(٣) فى هـ‍: «البيت» وما فى الأصل مثله فى الخزانة، وديوان المتنبى، الموضع السابق، وذكر شارحه هذه الأوجه الأربعة، ولم يعزها إلى ابن الشجرى.