للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{اِنْتَقَمْنا مِنْهُمْ} (١).

فالمعنى: أرى رجلا منكم (٢) حزينا أو شديد الغضب، كأنه من بغضه لى وغضبه علىّ (٣) قد قطعت كفّه فضمّها إلى خاصرتيه مخضّبة بدمها، فإذا جعلت «مخضّبا» وصفا لرجل، فالتقدير: أرى رجلا منكم مخضّبا، كأنه يضمّ إلى كشحيه كفّا، فجعلت التّخضيب حقيقة له، فأخرجته من التشبيه، وليس الأمر كذلك.

فأما إجازته أن يكون قوله: «كفّا مخضّبا» كقول الآخر:

ولا أرض أبقل إبقالها

وأن يكون حمل الكفّ على العضو، فعليه اعتراض (٤)، وهو أن يقال: أىّ فرق بين هذين الوجهين، ونحن إنما نحمل الأرض فى قوله:

ولا أرض أبقل إبقالها

على المكان، كما نحمل الكفّ على العضو؟

والجواب: أنّ بينهما فصلا، وهو أن يجعل تأنيث الأرض فى قوله:

ولا أرض أبقل إبقالها

معتدّا به، إلا أنه مع الاعتداد به لمّا كان تأنيثا ضعيفا، لأنه غير حقيقىّ، وليست له علامة، جاز فى الضّرورة تذكير المضمر فى «أبقل»، ويجعل الكفّ بمنزلة العضو، فلا يعتدّ بتأنيثها، بل يجعلها مجرّدة من معنى التأنيث، حتى كأنه


(١) سورة الزخرف ٥٥.
(٢) فى هـ‍ «منكم» هنا وفى الموضع التالى. وانظر ما تقدم فى تخريج البيت.
(٣) فى هـ‍: «وقد» بإقحام الواو.
(٤) فى هـ‍: الاعتراض.