للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: ومن العلماء بالعربية من لا يفرق بين النفى والجحد، والأصل فيه ما ذكرت لك. وقد حكى الزركشى (١) هذه التفرقة بين النفى والجحد، عن ابن الشجرى.

٢٩ - ذهب ابن الشجرى (٢) إلى أن الاستفهام يجيء بمعنى الخبر بعد التسوية، فى قولك: ما أدرى أزيد فى الدار أم عمرو؟ ومنه قول زهير:

وما أدرى ولست إخال أدرى ... أقوم آل حصن أم نساء

وقد تعقّبه ابن هشام، فقال (٣): والذى غلّط ابن الشجرى حتى جعله من النوع الأول توهمه أن معنى الاستفهام فيه غير مقصود ألبتة، لمنافاته لفعل الدراية، وجوابه أن معنى قولك: علمت أزيد قائم: علمت جواب أزيد قائم، وكذلك ما علمت.

٣٠ - عقد ابن الشجرى فصلا للأمر (٤)، وحدّه بأنه استدعاء الفعل بصيغة مخصوصة مع علو الرتبة، ثم ذكر الأوجه التى يستعمل فيها الأمر على غير الوجه الذى حدّه، نحو الندب والاستحباب والإباحة والوعيد والتأديب والإرشاد والخبر والتحدى والتنبيه على قدرة الخالق عز وجل، وضرب لذلك الأمثال. ثم قال فى آخر هذا الفصل: واعلم أن من أصحاب المعانى من قال: إن صيغة الأمر مشتركة بين هذه المعانى. وهذا غير صحيح، لأن الذى يسبق إلى الفهم هو طلب الفعل، فدل على أن الطلب حقيقة فيها دون غيره، ولكنها حملت على غير الأمر الواجب بدليل، والأمر الواجب هو الذى يستحق بتركه الذم، كقوله تعالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اِرْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} فذمهم على ترك الركوع بقوله: {فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ}.

هذا وإن ما ذكره ابن الشجرى حول النداء والخبر والاستفهام والتمنى والأمر، إنما يعالج فى فن المعانى من علوم البلاغة.


(١) البرهان ٢/ ٢٧٦.
(٢) المجلس الرابع والثلاثون.
(٣) المغنى ص ٤١.
(٤) المجلس نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>