للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وغير أبى علىّ ومن اعتمد على قوله، رووا نصب (١) «الماء» ولم يرووا فيه الرفع، فلزموا ظاهر اللفظ والمعنى، فذهبوا إلى أن فاعل ارتوى مرتوى، وأبو طالب العبدىّ منهم، وذلك أنه ذكر لفظ أبى علىّ فى تعريب البيت، ثم قال: وأنا مطالب بفاعل ارتوى، ثم مثّل قوله: «ما ارتوى الماء مرتوى» بقوله: ما شرب الماء شارب، أى أبدا، فدلّ كلامه على أنه لم يعرف المعنى الذى ذهب إليه أبو علىّ، من نصب مرتوى، على أنه خبر كان، أو رفعه على أنه خبر ليت.

والقول عندى فيه أن الالتزام (٢) بالظاهر على ما ذهب إليه العبدىّ أشبه بمذاهب العرب فيما يريدون به التأبيد، كقولهم: لا أفعل (٣) كذا ما طار طائر، ولا أكلّمك ما سمر سامر، وقد مرّ بى كلام لأبى علىّ، ذهب عنى مكانه، يتضمّن تجويز رفع مرتوى بارتوى، وأنا منذ زمان أجيل فكرى وطرفى فى تعرّف المكان الذى سنح لى فيه كلامه، فلا أقف عليه (٤).

و «عن» فيما ذهب إليه العبدىّ متعلّقة بمعنى «كفافا» كأنه قال: فليتك كان خيرك وشرّك كافّا عنى ما ارتوى الماء مرتوى.

فأما نصب «الماء» فبتقدير حذف الجارّ، أى ما ارتوى من الماء، أو بالماء، وحذف الجارّ ثم إيصال الفعل إلى المجرور به مما كثر استعماله فى القرآن والشّعر، فمن ذلك قوله تعالى: {وَاِخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} (٥) أراد: من قومه، ومثله


(١) وهو رأى أبى العلاء، أجراه على لسان الشاعر، وقد استنكر على أبى علىّ الرفع. انظر رسالة الغفران ص ١٥٣.
(٢) فى هـ‍: «التلزّم» وغيره مصحّح طبعة الهند إلى «التزام». وما فى الأصل مثله فى الخزانة ١٠/ ٤٨٠.
(٣) ويقال: لا أفعل ذلك ما سمر ابنا سمير، وما سمر السّمير، وهو الدهر. جمهرة الأمثال ٢/ ٢٨٢، والمستقصى ٢/ ٢٤٩.
(٤) ذكر فى المجلس السابع والثلاثين أن هذا الكلام مرّ به فى «التذكرة» لأبى علىّ.
(٥) سورة الأعراف ١٥٥.